يُعدّ مهرجان الأبون (Obon) احتفالاً تقليدياً بوذياً يابانياً عريقاً، ضارباً بجذوره في التاريخ لأكثر من خمسمائة عام، ويُعَدّ من أهم المناسبات الثقافية والروحية في اليابان. جوهر هذا المهرجان يكمن في تكريم أرواح الأسلاف وتبجيلها، اعتقاداً بأنها تعود لزيارة عالم الأحياء خلال هذه الفترة. يُقام الأبون في فترات مختلفة، إما في شهر يوليو أو أغسطس، ويعتمد هذا التوقيت بشكل كبير على المنطقة في اليابان والتقويم المتبع، حيث تلتزم بعض المناطق بالتقويم القمري القديم (كيو بون - Kyū Bon) بينما تتبنى مناطق أخرى التقويم الشمسي الحديث (شين بون - Shin Bon).
جذور الأبون وتطوره التاريخي
يتجذر مهرجان الأبون في تقاليد البوذية اليابانية، وتحديداً في قصة موكوجين (Mokuren)، أحد تلاميذ بوذا، الذي رأى والدته تعاني في عالم الأشباح الجائعة وقام بتحريرها من خلال تقديم القرابين والتضرعات. تطورت هذه القصة لتصبح جزءاً لا يتجزأ من مفهوم بر الوالدين في الثقافة اليابانية. في بداياته، كان الاحتفال يتميز بشكل أساسي برقصة "البون أودوري" (Bon Odori)، وهي رقصة جماعية تُؤدّى عادةً في الساحات العامة وحول منصات مرتفعة تُعرف باسم "ياغورا" (Yagura)، وكانت تهدف إلى الترحيب بالأرواح العائدة أو توديعها في رحلتها. على مر القرون، تحول الأبون تدريجياً من مجرد طقس ديني إلى عطلة عائلية بامتياز، تشكل فرصة ثمينة لجمع شمل الأسر وتعميق الروابط الأجيالية.
طقوس الاحتفال ومظاهره الجوهرية
تتعدد مظاهر الاحتفال بالأبون، لكنها جميعاً تدور حول محور واحد: تذكر الأجداد وتكريمهم. من أبرز هذه الممارسات:
- زيارة منازل العائلة والأقارب: تُعَدّ هذه الزيارات فرصة لجمع شمل الأسرة، حيث يتوافد الأفراد من المدن الكبرى إلى مسقط رأسهم للاحتفال معاً. تُقدم الوجبات الخاصة، ويتم تبادل القصص والذكريات، مما يُعزز الشعور بالانتماء والتواصل.
- تنظيف القبور (أوهاكا مايري): تُعدّ زيارة المقابر وتنظيفها بعناية فائقة، وتقديم الماء والأزهار والبخور، من الطقوس المركزية. هذا الفعل الرمزي لا يعبر فقط عن الاحترام والذكرى، بل يُنظر إليه أيضاً كطريقة لإعداد مكان نظيف ومرحب للأرواح العائدة.
- رقص البون أودوري (Bon Odori): على الرغم من تطور المهرجان، لا تزال رقصة البون أودوري جزءاً حيوياً من الاحتفال في العديد من المناطق. تتنوع أساليب الرقص من منطقة لأخرى، فبعضها يتميز بالحركة البطيئة والوقار، بينما يتميز البعض الآخر بالحيوية والإيقاع السريع، مثل رقصة "آوا أودوري" الشهيرة في توكوشيما، والتي تجذب آلاف المشاركين والمتفرجين سنوياً.
- إضاءة الفوانيس: تُستخدم الفوانيس (Chōchin) لإرشاد الأرواح في طريقها من وإلى العالم الآخر. يتم إشعال فوانيس "موكا بيبي" (Mukaebi) لاستقبال الأرواح في بداية المهرجان، وفي نهايته، تُطفى فوانيس "أوكوري بيبي" (Okuribi) أو تُطفو على الأنهار والبحيرات (تورو ناغاشي - Tōrō Nagashi) لتوديع الأرواح في عودتها. من الأمثلة البارزة على ذلك مهرجان "غوزان أوكوريبي" في كيوتو، حيث تُشعل خمسة أشكال ضخمة من النار على الجبال.
- قرابين الطعام والرمزية: تُحضّر مذابح خاصة تُعرف باسم "شوريودانا" (Shōryō-dana) أو تُزيّن مذابح البوذية المنزلية (بوتسودان - Butsudan) بالقرابين المتنوعة من الفواكه والخضروات والأطعمة المفضلة للأسلاف. من الرموز الشائعة "شوريويوما" (Shōryō Uma)، وهي مجسمات صغيرة من الخيار والجزر على شكل حصان، والباذنجان على شكل بقرة، ترمز لوسائل النقل التي تستخدمها الأرواح في رحلتها السريعة إلى المنزل (الحصان) والعودة البطيئة (البقرة).
الأبون كرمز للترابط الأسري والهوية الثقافية
يتجاوز مهرجان الأبون كونه مجرد احتفال بالأسلاف ليصبح تجسيداً للترابط الأسري العميق والهوية الثقافية اليابانية. إنه وقت للتوقف عن وتيرة الحياة السريعة، والتأمل في الروابط التي تجمعنا بأولئك الذين سبقونا، وتقدير الحاضر مع الأحباء. تعزز هذه العطلة قيم الاحترام، الذاكرة، والتضامن العائلي، وتُورث من جيل إلى جيل، مما يضمن استمرارية هذه التقاليد الغنية التي تعكس الروح اليابانية في تقدير الماضي وبناء المستقبل.
أسئلة شائعة حول مهرجان الأبون
- ما هو الغرض الرئيسي من مهرجان الأبون؟
- الغرض الرئيسي هو تكريم أرواح الأسلاف والاحتفال بها، اعتقاداً بأنها تعود لزيارة عالم الأحياء خلال هذه الفترة القصيرة، وتعميق الروابط الأسرية.
- متى يُقام مهرجان الأبون عادةً؟
- يُقام الأبون إما في منتصف شهر يوليو أو منتصف شهر أغسطس. يعتمد التوقيت الدقيق على المنطقة في اليابان وما إذا كانت تتبع التقويم القمري القديم أو التقويم الشمسي الحديث.
- ما هي أبرز الطقوس التي تُمارس خلال الأبون؟
- تشمل الطقوس الرئيسية زيارة قبور الأسلاف وتنظيفها، تقديم القرابين على المذابح المنزلية، زيارة منازل الأقارب والتجمعات العائلية، وأداء رقصة "البون أودوري" التقليدية، وإضاءة الفوانيس لإرشاد الأرواح.
- هل يشارك غير البوذيين في احتفالات الأبون؟
- نعم، على الرغم من أن الأبون له جذور بوذية، إلا أنه أصبح عطلة ثقافية وعائلية واسعة الانتشار في اليابان، ويشارك فيها العديد من غير البوذيين أو أولئك الذين لا يمارسون البوذية بشكل صارم، تقديراً لجانبها العائلي والتقليدي.