يصادف يوم السادس من أكتوبر من كل عام يومًا خالدًا في تاريخ مصر الحديث، حيث تحتفل الأمة المصرية بيوم القوات المسلحة. إنه ليس مجرد تاريخ في التقويم، بل هو رمزٌ للنصر العظيم والتضحيات الجسام التي قدمها الجيش المصري الباسل في حرب أكتوبر المجيدة عام 1973. هذا اليوم يُخلّد ذكرى العبور التاريخي لقناة السويس واختراق الدفاعات المنيعة لـ "خط بارليف" (Bar Lev Line) الإسرائيلي، في إنجازٍ عسكري وهندسي أذهل العالم وغير موازين القوى في المنطقة.

حرب أكتوبر 1973: سياق الصراع واستعادة الكرامة

تُعرف حرب أكتوبر عام 1973 في مصر أيضًا باسم "حرب العاشر من رمضان"، وفي إسرائيل بـ "حرب يوم الغفران" (Yom Kippur War). لم تكن هذه الحرب مجرد مواجهة عسكرية لاستعادة الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، بل كانت صراعًا لاستعادة الكرامة الوطنية والعربية والثقة بالنفس بعد نكسة يونيو. كانت العملية العسكرية المصرية – السورية المشتركة مفاجأة استراتيجية بكل المقاييس، وغيرت المسار السياسي والعسكري في الشرق الأوسط.

عبور قناة السويس: الإعجاز المائي

كان عبور قناة السويس تحديًا هائلاً يواجه الجيش المصري. هذه القناة الاستراتيجية، التي يتراوح عرضها بين 180 و 200 متر وعمقها يصل إلى 18 مترًا، كانت بمثابة حاجز مائي ضخم يفصل بين القوات المتحاربة. الأهم من ذلك، أن الضفة الشرقية للقناة كانت مُحصنة بساتر ترابي عملاق، مما جعل عبور القناة تحت نيران العدو مهمة شبه مستحيلة في نظر الخبراء العسكريين العالميين. ومع ذلك، وبفضل التخطيط الدقيق والتدريب المكثف والشجاعة الفائقة، تمكن آلاف الجنود المصريين، بأسلحتهم ومعداتهم، من عبور القناة في ساعات قليلة، مستخدمين قوارب مطاطية وجسورًا خفيفة تم تركيبها بسرعة مذهلة تحت ستار من القصف المدفعي والجوّي المكثف. هذا الإنجاز أظهر براعة الجيش المصري وقدرته على تجاوز العقبات الطبيعية والبشرية.

اختراق خط بارليف: الحصن الذي انهار

يُعد اختراق "خط بارليف" أحد أبرز رموز النصر المصري في حرب أكتوبر. هذا الخط الدفاعي الإسرائيلي، الذي بُني على طول الضفة الشرقية لقناة السويس بعد حرب 1967 وسُمي نسبة إلى رئيس الأركان الإسرائيلي حينها، حاييم بارليف، كان يُعتبر أسطورة في التحصينات الدفاعية. لقد استثمرت إسرائيل مليارات الدولارات وبذلت سنوات في بنائه، وكان يتكون من 32 نقطة حصينة، مزودة بملاجئ خرسانية مقواة، ومستودعات ذخيرة، ومواقع مدفعية، وخنادق مضادة للدبابات، وحقول ألغام، بالإضافة إلى ساتر ترابي هائل يصل ارتفاعه إلى 20 مترًا بمنحدرات شديدة الانحدار تزيد عن 45 درجة، مما كان يعتقد أنه يصد أي هجوم بري.

لكن المهندسين العسكريين المصريين، بعقلية مبتكرة وشجاعة استثنائية، وجدوا حلاً عبقريًا لاختراق هذا الحاجز المنيع: استخدام مضخات مياه ضخمة (يقدر عددها بالمئات) تعمل بضغط عالٍ للغاية. هذه المضخات أطلقت ملايين الأمتار المكعبة من المياه القوية على الساتر الترابي الرملي، مما أدى إلى تجريفه وإحداث فتحات استراتيجية وعريضة خلال ساعات قليلة فقط من بدء الهجوم. هذا الابتكار المذهل سمح بعبور الدبابات والمدرعات والمشاة بسرعة فائقة إلى سيناء، محققين بذلك عنصر المفاجأة الاستراتيجية وكسر أسطورة "خط بارليف" الذي كان يُروج له على أنه "خط مستحيل الاختراق"، مما أثبت أن الإرادة والعزيمة تتفوقان على التحصينات المادية مهما بلغت من قوة.

الإرث والاحتفال: يوم الفخر الوطني

يُعد يوم القوات المسلحة في السادس من أكتوبر تذكيرًا دائمًا بالبطولة والتضحية والوحدة الوطنية التي تجلت في حرب أكتوبر 1973. إنه يوم فخر واعتزاز لكل مصري، تُستعاد فيه دروس العزيمة والإصرار على حماية الوطن ومقدساته. تقام الاحتفالات الرسمية والشعبية في هذا اليوم، ويتم تكريم أبطال الحرب الذين سطروا بدمائهم أروع ملاحم البطولة والفداء، وتُستلهم من هذه الذكرى دروسٌ قيمة في التخطيط الاستراتيجي، والمثابرة، والابتكار في مواجهة التحديات، مما يجعله مصدر إلهام للأجيال القادمة.

أسئلة متكررة حول يوم القوات المسلحة وحرب أكتوبر

متى يُحتفل بيوم القوات المسلحة المصرية؟
يُحتفل بيوم القوات المسلحة المصرية في السادس من أكتوبر من كل عام، تخليدًا لذكرى النصر التاريخي في حرب أكتوبر المجيدة عام 1973.
ما هو الإنجاز الرئيسي الذي يُحتفل به في هذا اليوم؟
يُحتفل بالإنجاز العسكري والهندسي الهائل للجيش المصري الذي تمثل في العبور الناجح لقناة السويس واختراق "خط بارليف" الإسرائيلي المنيع خلال حرب أكتوبر 1973، مما كان نقطة تحول حاسمة في استعادة الأراضي المصرية في سيناء.
ما هي أهمية "خط بارليف" في حرب أكتوبر؟
كان "خط بارليف" سلسلة من التحصينات الدفاعية الإسرائيلية المعقدة والضخمة التي اعتُبرت منيعة ولا يمكن اختراقها، وتم بناؤها على طول الضفة الشرقية لقناة السويس. نجاح الجيش المصري في اختراقه كان مفتاحًا لكسر المقاومة الإسرائيلية وتحقيق الانتصار الاستراتيجي.
كيف تمكن الجيش المصري من اختراق "خط بارليف"؟
تم اختراق خط بارليف بابتكار هندسي فريد وغير متوقع، حيث استخدم المهندسون العسكريون المصريون مضخات مياه ذات ضغط عالٍ جدًا لتجريف الساتر الترابي الضخم الذي كان جزءًا أساسيًا من الخط الدفاعي، مما أحدث فجوات وفتح ممرات سمحت بعبور القوات والمعدات الثقيلة بسرعة فائقة.