يُحتفل بيوم ميلاد الكتاب الهندي المقدس، البهاغافاد غيتا (Bhagavad Gita)، في اليوم الحادي عشر من شهر مارغاشيرشا (Margashirsha) القمري، المعروف باسم غـيتا جايانتي (Gita Jayanti). يُعَد هذا اليوم مناسبة روحية عظيمة في التقويم الهندوسي، حيث يعتقد أتباعه أن اللورد كريشنا قد ألقى خطابه الإلهي التاريخي هذا لأرجونا في سهل كوروكشيتا المقدس في هذا اليوم بالذات، مُقدمًا جوهر الحكمة الفيدية للعالم أجمع. إن اسم الكتاب، "البهاغافاد غيتا"، يُترجم غالبًا إلى "أغنية الرب" أو "النشيد الإلهي"، وهو ليس مجرد كتاب، بل نص روحاني قديم يمثل حوارًا عميقًا يمتد عبر ثمانية عشر فصلاً، وهو جزء لا يتجزأ من الملحمة الهندوسية الضخمة والمعروفة عالميًا، المهابهاراتا.

قلب المهابهاراتا: حوار في ساحة المعركة

يُروى نص البهاغافاد غيتا في سياق درامي ومصيري: في قلب ساحة المعركة الشاسعة في كوروكشيتا، قبيل بدء حرب عظيمة تحدد مصير العائلات المالكة في الهند القديمة. كانت هذه المعركة بين أبناء العمومة، الباندفاس والكورافاس، حربًا على دارما (البر والواجب) وعلى الحق في العرش. يُعتبر هذا الموقع الجغرافي، كوروكشيتا، في ولاية هاريانا بالهند، مكانًا ذا أهمية تاريخية ودينية عميقة. الشخصيات المحورية في هذا الحوار الخالد هما الأمير أرجونا، البطل الرئيسي من الباندفاس والذي يُعد محاربًا لا مثيل له، ومرشده وسائقه الإلهي، اللورد كريشنا. اللورد كريشنا ليس مجرد رفيق أو مستشار؛ فهو التجسد الثامن للإله فيشنو في الهندوسية، ويُعرف بكونه الإله الأعلى ومصدر كل الرحمة والحكمة، الذي نزل إلى الأرض ليُعيد التوازن للدارما ويُرشد البشرية.

نظرة إلهية عبر الزمان والمكان: رواية سانجايا

ما يُميز سرد البهاغافاد غيتا هو أنه مكتوب بصيغة ضمير الغائب، حيث لا يُسرد مباشرة من قبل المشاركين في الحوار. بدلاً من ذلك، يتلو الأحداث المذهلة التي تدور في ساحة المعركة أمام الملك الأعمى دهريتراشترا، الذي لا يستطيع رؤية المعركة بنفسه. يتم ذلك بواسطة مستشاره ورفيقه المخلص، سانجايا. يتمتع سانجايا بقدرة فريدة من نوعها، تُعرف باسم "ديفيا دريشتي" (Divya Drishti)، أو "الرؤية الإلهية"، والتي منحها له الحكيم فياسا، مؤلف المهابهاراتا. هذه القدرة تُمكنه من رؤية جميع أحداث المعركة ومجرياتها، وحتى الأفكار والمشاعر الخفية للشخصيات، من مسافة بعيدة، ونقلها بدقة تفصيلية للملك. هذه الطريقة السردية تضمن أن تصل الحكمة العميقة للبهاغافاد غيتا ليس فقط إلى الملك دهريتراشترا ولكن أيضًا إلى الأجيال القادمة، مما يجعلها متاحة للجميع بغض النظر عن القيود الجسدية أو الزمانية.

من المعضلات الأخلاقية إلى الحكمة الكونية: محاور البهاغافاد غيتا

تُعد البهاغافاد غيتا أكثر من مجرد قصة حرب؛ إنها كنز من المعرفة الروحية والفلسفية التي تتجاوز بكثير مجرد وصف للمعارك. يناقش هذا الكتاب المقدس مجموعة واسعة من المسائل الروحية المعقدة والمعضلات الأخلاقية العميقة والموضوعات الفلسفية التي تلامس جوهر الوجود الإنساني. فعلى الرغم من أن الحوار يبدأ بمعضلة أرجونا الأخلاقية بشأن القتال ضد أقاربه، إلا أنه يتطور بسرعة ليغطي مفاهيم كونية خالدة، مثل:

تُقدم البهاغافاد غيتا إرشادات عملية للحياة اليومية، مُعلمةً كيفية التعامل مع التوتر والقلق، وكيفية اتخاذ القرارات الأخلاقية الصعبة، وكيفية العيش بحكمة وتعاطف. إنها ليست مجرد نص تاريخي، بل دليل حيوي يُقدم حلولًا خالدة للتحديات البشرية، مما يجعلها ذات أهمية قصوى للأشخاص من جميع الخلفيات والثقافات في العصر الحديث.

الأسئلة الشائعة حول البهاغافاد غيتا

ما هو يوم غيتا جايانتي؟
هو اليوم الذي يُعتقد أن اللورد كريشنا قد ألقى فيه تعاليم البهاغافاد غيتا على الأمير أرجونا في سهل كوروكشيتا. يُحتفل به سنويًا في اليوم الحادي عشر من شهر مارغاشيرشا القمري، وهو يوم ذو أهمية روحية كبيرة في الهندوسية.
ما هو المعنى الحرفي لـ "البهاغافاد غيتا"؟
يُترجم "البهاغافاد غيتا" عادةً إلى "أغنية الرب" أو "النشيد الإلهي"، ويعكس جوهر الحوار الروحاني الذي دار بين اللورد كريشنا وأرجونا.
هل البهاغافاد غيتا كتاب منفصل أم جزء من نص أكبر؟
البهاغافاد غيتا هي جزء لا يتجزأ من الملحمة الهندوسية الضخمة المهابهاراتا. تقع الفصول الثمانية عشر التي تشكل الغيتا ضمن قسم "بهيشما بارفا" في المهابهاراتا.
من هم الشخصيات الرئيسية في حوار البهاغافاد غيتا؟
الشخصيتان الرئيسيتان هما الأمير أرجونا، المحارب من عائلة الباندفاس، واللورد كريشنا، الذي يعمل كسائقه ومرشده الروحي، ويُكشف عنه تدريجيًا كالتجسد الأعلى للإله فيشنو.
ما هي أبرز المفاهيم الفلسفية التي تتناولها البهاغافاد غيتا؟
تتناول الغيتا مجموعة واسعة من المفاهيم مثل طبيعة الروح الخالدة (الآتمان)، قانون الكارما (العمل ونتائجه)، أهمية أداء الواجب (الدارما) دون تعلق بالنتائج، ومسارات اليوجا المختلفة (العمل، المعرفة، التأمل، التفاني) كوسائل لتحقيق التحرر الروحي (الموكشا) والفهم الإلهي.