يُعرف هذا اليوم التاريخي بـ "عيد البوريم" (Purim)، وهو بحق يُعدّ الأكثر حيوية، بهجة، وتلونًا بين جميع الأعياد اليهودية. يتجلى فيه احتفال فريد من نوعه يمتزج فيه الفرح الصاخب مع تذكر حدث تاريخي محوري. تمتد جذور قصة هذا العيد إلى قلب الإمبراطورية الفارسية القديمة، وتحديداً في عاصمتها الشاهقة "شوشان" (Shushan)، التي تُعرف اليوم بمدينة سوسة في إيران. وقعت أحداث هذه القصة المذهلة في السنة الثالثة من حكم الملك "أخشورش" (Ahashverosh)، الذي يُعتقد على نطاق واسع أنه الملك الفارسي العظيم زركسيس الأول (Xerxes I)، الذي حكم إمبراطورية مترامية الأطراف تمتد من الهند إلى كوش (إثيوبيا) وتضم مئة وسبعاً وعشرين ولاية.
يُمثّل عيد البوريم تتويجاً لانتصار مدوّ لليهود على مؤامرة إبادة شاملة كانت تهدف إلى القضاء عليهم، وهي قصة تفصيلية وغنية بالدراما الإنسانية والتدبير الإلهي، ومُسجّلة بدقة متناهية ضمن أسفار الكتاب المقدس العبري في "سفر أستير" (Megillat Esther). لم يكن هذا الاضطهاد مجرد تهديد عابر، بل كان مرسوماً ملكياً صادر عن رئيس الوزراء المغرور "هامان"، الذي سعى إلى إبادة جميع اليهود في الإمبراطورية الفارسية بأكملها في يوم واحد محدد، وهو الثالث عشر من شهر آذار (أدار) العبري. كانت هذه المؤامرة تمثل خطراً وجودياً حقيقياً على الأمة اليهودية بأسرها.
تفاصيل سفر أستير: قصة البطولة والخلاص
يُعدّ "سفر أستير" واحداً من الأسفار الفريدة ضمن قسم "الكتوفيم" (الكتابات) في التوراة، ويبرز بشكل خاص لعدم ذكره اسم الإله صراحةً، ومع ذلك، فإن القصة بأكملها تفيض بوجود العناية الإلهية الخفية التي تدير الأحداث وتُحيل الشر إلى خير. يروي السفر كيف قامت فتاة يهودية يتيمة تُدعى "هداسا"، التي أصبحت فيما بعد الملكة "أستير" (Esther)، وابن عمها ومربيها الحكيم "مردخاي" (Mordechai)، بمواجهة هذا المخطط الشرير بشجاعة فائقة، متحدين بذلك السلطة المطلقة للملك وحقد هامان. بفضل دهائها وشجاعتها وتوجيهات مردخاي، تمكنت أستير من الكشف عن مؤامرة هامان أمام الملك، مما أدى إلى قلب الموازين بشكل جذري: تحول يوم الإبادة المخطط له إلى يوم انتصار وفرار، وتمكن اليهود من الدفاع عن أنفسهم ضد أعدائهم.
كيف يُحتفل بعيد البوريم اليوم؟
للاحتفال بهذا الانتصار التاريخي والبهجة التي تلت الخلاص، يتبع اليهود حول العالم مجموعة من التقاليد المبهجة والعميقة المعنى، التي تساهم في جعله العيد الأكثر تلوناً:
- قراءة المجلّة (Megillah Reading): يتم قراءة سفر أستير علناً في الكنس ليلاً ونهاراً. خلال القراءة، عندما يُذكر اسم هامان، يقوم المصلون بإصدار ضوضاء عالية (باستخدام "الراشانيش" أو خشخيشات البوريم) لطمس اسمه كتعبير عن محوه من الذاكرة.
- المآدب الاحتفالية (Seudat Purim): تُقام وليمة كبرى تُعرف بـ "سعودات بوريم" تتميز بالبهجة والطعام الوفير والنبيذ. يُشجع على شرب النبيذ "حتى لا يستطيع المرء التمييز بين الملعون هامان والمبارك مردخاي"، مما يرمز إلى التحول المعجز من الحزن إلى الفرح المطلق.
- تبادل هدايا الطعام (Mishloach Manot): تُرسل سلال الطعام التي تحتوي على صنفين جاهزين للأكل على الأقل إلى الأصدقاء والجيران، لتعزيز الوحدة والأخوة داخل المجتمع. غالباً ما تشمل هذه الهدايا معجنات "آذان هامان" (Hamantaschen) المميزة.
- العطاء للفقراء (Matanot La'Evyonim): يُعتبر تقديم الهدايا والصدقات للفقراء والمحتاجين واجباً أساسياً في البوريم، لضمان أن يتمكن الجميع من الاحتفال بالفرحة والبهجة، وتجسيداً لقيم التضامن والرحمة.
- الأزياء التنكرية والمسيرات (Costumes and Parades): يرتدي الكبار والصغار الأزياء التنكرية الملونة، مما يضيف بعداً كرنفالياً إلى العيد. تُنظم في بعض الأماكن مسيرات احتفالية تجوب الشوارع، حاملة رسالة الفرح والخلاص.
أسئلة شائعة حول عيد البوريم
- ما هو عيد البوريم؟
- عيد البوريم هو عيد يهودي يحتفل بالخلاص المعجزي للشعب اليهودي من مؤامرة الإبادة التي دبرها هامان في الإمبراطورية الفارسية القديمة، كما هو مسجل في سفر أستير.
- لماذا يُعتبر عيد البوريم الأكثر بهجة؟
- يعتبر الأكثر بهجة بسبب طبيعة الاحتفال التي تشمل الأزياء التنكرية، المآدب الصاخبة، تبادل الهدايا، والموسيقى والرقص، فضلاً عن الرسالة الأساسية للخلاص من تهديد وشيك بالدمار.
- من كان الملك أحشويروش؟
- الملك أحشويروش هو ملك الإمبراطورية الفارسية الذي ورد ذكره في سفر أستير، ويُعرف تاريخياً بأنه زركسيس الأول (Xerxes I).
- ما هي أهمية سفر أستير في عيد البوريم؟
- سفر أستير هو النص المحوري الذي يروي قصة البوريم بأكملها. قراءته في الكنس هي إحدى الوصايا الرئيسية للعيد، وتذكير دائم بالمعجزة والخلاص الذي حدث.