تُمثّل الأعياد الثلاثة المذكورة في التقاليد اليهودية، والمعروفة باسم "أعياد الحج الثلاثة" (بالعبرية: شالوش رِجاليم)، ركائز أساسية في التقويم الديني والتاريخي للشعب اليهودي. هذه الأعياد، التي كانت تستوجب الحج إلى الهيكل المقدس في القدس في العصور القديمة، لا تزال حتى اليوم تُحيي أحداثاً محورية شكّلت الهوية اليهودية وقصتها الروحية. كل عيد من هذه الأعياد يحمل في طياته دروساً عميقة وقصصاً ملهمة عن الحرية والإيمان والارتباط الوثيق بالوصايا الإلهية.

عيد الفصح (بيسح): ذكرى التحرير والخلاص

يُعد عيد الفصح، أو "بيسح" بالعبرية، الأول من بين أعياد الحج، وهو احتفال مهيب يُكرّم ذكرى الخروج المُعجز لبني إسرائيل من أرض مصر، حيث كانوا عبيداً تحت حكم الفراعنة. يُسلّط هذا العيد الضوء على قصة التحرير الإلهي من براثن العبودية، والتي تُعد لحظة تأسيسية في نشأة الأمة اليهودية. لا يقتصر الاحتفال على تذكر الماضي فحسب، بل هو دعوة دائمة لتذوق طعم الحرية وتجديد الالتزام بالعيش كشعب حر ومسؤول.

هل عيد الفصح احتفال تاريخي فقط؟ لا، بل هو دعوة سنوية لتجديد الإيمان بالحرية والعدالة، وللتأكيد على أن كل إنسان يستحق العيش بكرامة، وأن للخروج من الضيق معاني تتجاوز حدود الزمان والمكان، مما يجعله رسالة أمل عالمية.

عيد شافوت (الأسابيع): قصة الوحي والعقد الإلهي

يأتي عيد شافوت، أو "عيد الأسابيع"، كالعيد الثاني من أعياد الحج، ليُحيي ذكرى حدثٍ تاريخي وفائق الأهمية: تلقي التوراة على يد النبي موسى في جبل سيناء. هذا الحدث لم يكن مجرد تسليم مجموعة من القوانين، بل كان لحظة تجلي إلهي أدت إلى إبرام عهد أبدي بين الله والشعب اليهودي، مُحدداً بذلك هويتهم الروحية والأخلاقية ومُنظماً لحياتهم اليومية والمعنوية.

ما هو المغزى العميق لعيد شافوت؟ إنه احتفال بالرباط الفريد بين الله وشعبه من خلال الوصايا، ويؤكد على أهمية العلم والمعرفة الروحية كجوهر للهوية اليهودية، وعلى أن التوراة هي أساس الحياة اليهودية ومرشدها الأخلاقي.

عيد العرش (سوكوت): الاعتماد على العناية الإلهية

يُعرف عيد العرش باسم "سوكوت"، وهو العيد الثالث والأخير من أعياد الحج. يُخلّد هذا الاحتفال ذكرى الأكواخ المؤقتة (السوكاه) التي سكنها النبي موسى وبنو إسرائيل خلال تجوالهم لمدة أربعين عاماً في الصحراء بعد الخروج من مصر. يرمز هذا العيد إلى الثقة المطلقة في العناية الإلهية والتواضع، مُذكّراً بأن المسكن الحقيقي والأمن يأتي من الاعتماد على الله وليس على الماديات والرفاهية الدنيوية.

لماذا تُبنى الأكواخ المؤقتة في عيد سوكوت؟ ترمز هذه الأكواخ إلى هشاشة الحياة المادية وإلى الاعتماد على الله كملاذ حقيقي، مُذكّرةً بتجربة الأجداد في الصحراء وبالعناية الإلهية التي أحاطت بهم على مدار أربعين عاماً، وهي دعوة للتأمل في قيمة القناعة والشكر على النعم حتى في أبسط الظروف.

تُشكل هذه الأعياد الثلاثة – الفصح، شافوت، وسوكوت – معاً قصة متكاملة عن ولادة الأمة اليهودية، وتلقيها للتوجيه الإلهي، واعتمادها الدائم على الحماية والعناية السماوية، مما يجعلها ليست مجرد ذكريات تاريخية بل دعوات متجددة لتأمل المعنى العميق للحرية والإيمان والتواصل الروحي في كل جيل.