ليلة القدر، تلك الليلة المباركة التي تحمل في طياتها معنى عميقًا وتأثيرًا عظيمًا في قلوب المسلمين، تعرف بأنها ليلة المصير أو ليلة التقدير. إنها ليست مجرد ليلة عابرة في التقويم الهجري، بل هي ذكرى خالدة لنزول القرآن الكريم، كلام الله الخالد، على قلب سيد الخلق، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، إيذانًا بفجر جديد للبشرية جمعاء.

لماذا سميت بليلة القدر؟

يُفسر اسم "القدر" في هذه الليلة بمعانٍ متعددة وكلها تزيدها رفعة وقداسة. فمنها أنها ليلة تقدير الأمور وقضائها، حيث تُعرض فيها مقادير الخلائق للعام القادم من الأرزاق والآجال والأحداث على الملائكة، وتُفرق فيها كل حكمة بالغة بأمر من الله سبحانه وتعالى. وهي كذلك ليلة الشرف والعظمة، فلها قدر عظيم ومنزلة رفيعة عند الله، مما يجعل العبادة فيها ذات ثواب مضاعف يفوق عبادة آلاف الشهور.

نزول القرآن الكريم: ميلاد الهداية

تُعتبر ليلة القدر الفصل الأبرز في تاريخ الإسلام، إذ شهدت بدء نزول القرآن الكريم من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا جملةً واحدة، ثم بدأ نزوله مفرقًا على قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم عبر الوحي الأمين جبريل عليه السلام على مدى ثلاثة وعشرين عامًا. كانت الشرارة الأولى لهذا الوحي الإلهي في غار حراء بمكة المكرمة، حيث نزل قوله تعالى: "اقرأ باسم ربك الذي خلق" (سورة العلق، الآيات 1-5)، وكانت هذه أول آيات القرآن الكريم التي أنزلت على نبينا. هذا الحدث لم يكن مجرد بداية رسالة، بل كان إيذانًا بفجر جديد للبشرية جمعاء، يحمل لها نور الهداية والرحمة، ويضع أسس شريعة خالدة ومنهاج حياة متكامل.

فضل ليلة القدر وعظيم مكانتها

ما يميز ليلة القدر ويجعلها محط أنظار وقلوب المؤمنين هو فضلها العظيم الذي لا يضاهيه فضل. فقد وصفها الله تعالى في كتابه العزيز بأنها "خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ" (سورة القدر، الآية 3). هذا التعبير القرآني يعني أن العبادة والعمل الصالح فيها يفوق ثوابها وثمرتها عبادة ألف شهر، أي ما يقارب 83 عامًا وثلاثة أشهر، وهو عمر مديد قد لا يبلغه الكثير من الناس. وفي هذه الليلة المباركة:

متى تكون ليلة القدر؟

لم يُحدد موعد ليلة القدر على وجه الدقة في القرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة، وذلك لحكمة عظيمة، وهي حث المسلمين على الاجتهاد في العبادة والتحري في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك بأكمله، وعدم الاتكال على ليلة واحدة. ومع ذلك، تشير الأحاديث النبوية الشريفة إلى أنها تقع غالبًا في الليالي الوترية من العشر الأواخر من رمضان، أي ليالي الحادي والعشرين، والثالث والعشرين، والخامس والعشرين، والسابع والعشرين، والتاسع والعشرين، ومن أرجحها ليلة السابع والعشرين.

أعمال مستحبة في ليلة القدر

ينبغي على المسلم استغلال هذه الليلة العظيمة بالاجتهاد في الطاعات والقربات، طمعًا في نيل الأجر العظيم ومغفرة الذنوب. ومن أبرز الأعمال المستحبة فيها:

الأسئلة الشائعة حول ليلة القدر

ما هو المعنى الحرفي لاسم "ليلة القدر"؟
تعني "ليلة القدر" ليلة التقدير الإلهي، أو ليلة الشرف والعظمة. ففيها تُقدر وتُحدد أمور الخلق للعام القادم، وهي ليلة ذات قدر ومنزلة عظيمة عند الله يفوق ثواب العمل فيها ثواب ألف شهر.
هل تُعرف ليلة القدر بعلامات معينة؟
نعم، وردت بعض العلامات في السنة النبوية، مثل أن تكون ليلة صافية، لا حارة ولا باردة، وأنها تكون ذات نور، وأن الشمس تطلع في صباحها بيضاء لا شعاع لها. ولكن الأهم هو الاجتهاد في العبادة بغض النظر عن رؤية هذه العلامات، لأن الهدف هو التحري والاجتهاد وليس الاقتصار على رؤية العلامة.
ما أهمية الدعاء في ليلة القدر؟
الدعاء في ليلة القدر مستجاب بإذن الله، وخاصة الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني". ففي هذه الليلة تتنزل الرحمات وتفتح أبواب السماء، ويستحب الإلحاح في الدعاء بطلب المغفرة والرحمة والعتق من النار، ونيل خير الدنيا والآخرة.