محرم هو الشهر الأول في التقويم الإسلامي، المعروف أيضًا بالتقويم الهجري. إنه ليس مجرد بداية عددية لعام جديد، بل يمثل بداية السنة الإسلامية الجديدة التي يحتفي بها الكثير من المسلمين كحدث ثقافي ورمز للتجديد والتأمل. ورغم أن السنة الهجرية بحد ذاتها لا تحمل دلالة دينية محددة توجب الاحتفال بها كعيد، إلا أن هذه الفترة تكتسب أهمية خاصة عند المسلمين. فهم يستغلونها لتذكر الأحداث الجليلة في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولإحياء ذكرى الهجرة النبوية المباركة، وهي رحلة عظيمة قام بها النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام من مكة المكرمة إلى يثرب، التي أصبحت تعرف منذ ذلك الحين بالمدينة المنورة أو المدينة.

محرم: شهر البدايات والقدسية

يُعد شهر محرم من الأشهر الحرم الأربعة في الإسلام، والتي نص القرآن الكريم على حرمتها. هذه الأشهر هي ذو القعدة، ذو الحجة، محرم، ورجب. وتحمل الأشهر الحرم قدسية خاصة، حيث يُضاعف فيها أجر الأعمال الصالحة، ويُنهى عن الظلم والقتال فيها تعظيمًا لشعائر الله. ولشهر محرم مكانة عظيمة، لا سيما يوم العاشر منه المعروف بيوم عاشوراء، الذي يُعد صومه مستحبًا وله فضل كبير في التكفير عن الذنوب.

التقويم الهجري: نظام زمني فريد

يختلف التقويم الهجري جذريًا عن التقويم الميلادي، فهو تقويم قمري يعتمد على دورات القمر لتحديد الأشهر، ويبلغ طول العام الهجري حوالي 354 أو 355 يومًا. وهذا يفسر سبب تقدم السنة الهجرية حوالي 10 أو 11 يومًا كل عام بالنسبة للتقويم الشمسي، مما يجعل مواسم الأعياد الإسلامية ومناسباتها تتنقل عبر الفصول. لم يُعتمد هذا التقويم مباشرة بعد الهجرة، بل تم إنشاؤه في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حوالي عام 17 هجرية، بهدف توحيد نظام التأريخ للدولة الإسلامية المتوسعة. وقد اختار الصحابة، بالتشاور مع عمر رضي الله عنه، الهجرة النبوية كحدث محوري لبدء هذا التقويم، تقديرًا لأهميتها في بناء الأمة الإسلامية.

الهجرة النبوية: ركيزة التاريخ الإسلامي

الهجرة النبوية ليست مجرد رحلة انتقال من مكان إلى آخر، بل هي نقطة تحول حاسمة في تاريخ الإسلام والمسلمين. فبعد ثلاثة عشر عامًا من الدعوة في مكة المكرمة، واجه المسلمون الأوائل اضطهادًا شديدًا من قريش، مما جعل الاستمرار في الدعوة أمرًا بالغ الصعوبة. جاء الإذن الإلهي بالهجرة إلى يثرب، التي كانت تُعرف قبل الهجرة بهذا الاسم. لم تكن هذه الرحلة سهلة، فقد كانت محفوفة بالمخاطر والتضحيات. ولكن بمجرد وصول النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام إلى يثرب، تحولت المدينة الصغيرة إلى مركز حضاري إسلامي مزدهر، وغير اسمها إلى "المدينة المنورة" أو "مدينة الرسول"، إشارة إلى نور النبوة الذي أشرق فيها. وفيها تم بناء أول مسجد في الإسلام، وتأسيس أول دولة إسلامية قائمة على العدل والشورى والتآخي، مما مهد الطريق لانتشار الإسلام في أرجاء العالم.

لماذا تبدأ السنة الهجرية بمحرم والهجرة في ربيع الأول؟

قد يتبادر إلى الذهن تساؤل: إذا كانت الهجرة النبوية قد وقعت في شهر ربيع الأول، فلماذا تبدأ السنة الهجرية بشهر محرم؟ الإجابة تكمن في قرار الصحابة الكرام في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند وضع التقويم. فبعد مناقشات مستفيضة حول أي حدث يجب أن يكون نقطة البداية، استقر الرأي على اعتبار عام الهجرة هو نقطة الانطلاق، لأنه فصل بين مرحلة الضعف والاضطهاد في مكة ومرحلة القوة والتمكين في المدينة. أما اختيار شهر محرم كأول شهر في السنة الهجرية، فقد كان ذلك لأنه يلي شهر ذي الحجة الذي يؤدي فيه المسلمون فريضة الحج، ويُعد نهاية للعام السابق، وبداية لعام جديد بعد أداء الركن الأعظم من أركان الإسلام، مما يجعله بداية مناسبة لعام جديد يحمل معه آمالًا وطموحات جديدة.

تأملات المسلمين في رأس السنة الهجرية

لا يحتفل المسلمون برأس السنة الهجرية كعيد تقليدي مثل الأعياد الدينية الكبرى كعيدي الفطر والأضحى. بدلاً من ذلك، تُعد هذه المناسبة فرصة للتأمل والاعتبار. إنها دعوة للتفكير في المعاني العميقة للهجرة: الصبر على الأذى، التضحية في سبيل الله، التوكل عليه، الأمل في المستقبل، وأهمية الأخوة والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار. يتذكر المسلمون التحديات التي واجهها النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، وكيف أنهم بتوفيق الله وثباتهم استطاعوا بناء أمة قوية من الصفر. هذه الذكرى تحفزهم على استلهام العبر والدروس لتطبيقها في حياتهم المعاصرة، من خلال تعزيز قيم الإيمان، المثابرة، الوحدة، والعمل الجاد لبناء مجتمعات قائمة على المبادئ الإسلامية السامية.

الأسئلة الشائعة حول محرم والسنة الهجرية

ما هو شهر محرم؟
محرم هو الشهر الأول من التقويم الهجري (الإسلامي)، ويُعد من الأشهر الحرم الأربعة في الإسلام، وله قدسية خاصة، لا سيما يوم عاشوراء (العاشر من محرم).
هل الاحتفال برأس السنة الهجرية عبادة؟
لا، الاحتفال برأس السنة الهجرية ليس عبادة أو عيدًا دينيًا مشروعًا في الإسلام كالأعياد الكبرى. يعتبره الكثيرون مناسبة ثقافية للتأمل وتذكر الهجرة النبوية ودروسها، وليس للاحتفال بمعناها التقليدي.
ما هي أهمية الهجرة النبوية في التاريخ الإسلامي؟
الهجرة النبوية هي نقطة تحول محورية في تاريخ الإسلام؛ فقد مثلت انتقال الدعوة الإسلامية من مرحلة الاضطهاد إلى مرحلة التمكين وبناء الدولة في المدينة المنورة، ومهدت الطريق لانتشار الإسلام وقيمه في العالم.
لماذا سميت المدينة المنورة بهذا الاسم؟
كانت يثرب (المدينة المنورة حاليًا) تُعرف بهذا الاسم قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها. وبعد هجرته واستقراره فيها، أصبحت تُعرف بـ "المدينة المنورة" أو "مدينة الرسول"، تكريمًا وتشريفًا لها بوجود النبي صلى الله عليه وسلم ونور رسالته فيها.