يتجاوز الاحتفال باليوم الدولي للمرأة مجرد كونه مناسبة سنوية، فهو يمثل فصلاً بارزًا في المسيرة الطويلة والملهمة لتحقيق حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين. تعود جذور هذه المناسبة العالمية إلى نقطة تحول حاسمة وقعت في عام 1909، عندما تولى الحزب الاشتراكي الأمريكي زمام المبادرة بتنظيم أول احتفال لما أُطلق عليه حينها "اليوم الوطني للمرأة". كان هذا الحدث المبكر بمثابة شرارة أولى، أكدت على ضرورة تسليط الضوء على قضايا المرأة الملحة في مجتمع كان يفتقر بشدة للعدالة والمساواة.

لقد تكلل نجاح هذا الاحتفال الأولي بقرار تاريخي اتُخذ في عام 1910، والذي قضى بجعل هذا اليوم حدثًا سنويًا، مما ضمن استمرارية الرسالة وتوسيع نطاق تأثيرها. ومع مرور الوقت، توطدت مكانة هذا اليوم ليُحتفل به عالميًا في الثامن من مارس من كل عام، ليصبح رمزًا عالميًا للتضامن والدعوة إلى التغيير.

الشرارة الأولى: ميلاد "اليوم الوطني للمرأة" في أمريكا

لم يكن الاحتفال الأول باليوم الوطني للمرأة في الولايات المتحدة مجرد حدث رمزي، بل كان استجابة مباشرة لديناميكيات اجتماعية واقتصادية عميقة. في الثامن والعشرين من فبراير عام 1909، نظم الحزب الاشتراكي الأمريكي هذا اليوم للاحتفاء بالذكرى السنوية لإضراب عاملات النسيج الضخم في نيويورك عام 1908. كانت هؤلاء العاملات، ومعظمهن من النساء المهاجرات، يناضلن بشجاعة من أجل تحسين ظروف العمل القاسية والأجور المنصفة، مما كشف عن حجم التحديات التي تواجهها المرأة العاملة. هذا الإضراب ألقى الضوء على الحاجة الملحة إلى العدالة الاجتماعية والاقتصادية للمرأة، ومهد الطريق لبلورة فكرة يوم مخصص للدفاع عن حقوقها.

من الوطني إلى العالمي: مؤتمر كوبنهاغن ونبوغ فكرة اليوم العالمي

لم يلبث المفهوم أن اكتسب زخمًا دوليًا. ففي عام 1910، استضافت مدينة كوبنهاغن الدنماركية المؤتمر الدولي الثاني للمرأة العاملة، الذي ضم أكثر من 100 ممثلة من 17 دولة مختلفة، بما في ذلك البرلمانيات الثلاث الأوائل من فنلندا، وممثلات عن النقابات العمالية والأحزاب الاشتراكية وجمعيات النساء العاملات. كانت هذه المرة التي طرحت فيها الناشطة الاشتراكية الألمانية البارزة والمدافعة الشرسة عن حقوق المرأة، كلارا زيتكين، فكرة تخصيص "يوم عالمي للمرأة". لاقت فكرتها دعمًا بالإجماع، مؤكدة على ضرورة وجود يوم موحد للدعوة إلى حقوق المرأة في التصويت، وحقوق العمل، والحق في التدريب المهني، والحق في شغل المناصب العامة، وإنهاء التمييز. ورغم أن تاريخًا محددًا لم يتم الاتفاق عليه في ذلك الوقت، إلا أن هذا المؤتمر وضع الأساس لحدث عالمي عابر للحدود.

الثامن من مارس: التاريخ الذي نحتته التضحيات

لم يتحدد تاريخ الثامن من مارس بشكل عشوائي، بل جاء نتيجة لتطورات تاريخية مفصلية. ففي عام 1913، احتفلت النساء الروسيات بيومهن العالمي للمرأة الأول في الأحد الأخير من شهر فبراير وفقًا للتقويم اليولياني، والذي وافق الثامن من مارس في التقويم الغريغوري (المعمول به حاليًا). جاء هذا الاحتفال في سياق دعوات مكثفة للسلام قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى، وناضلت فيه النساء من أجل حقوقهن ومعارضة الحرب. أدى هذا الحدث وغيره من التحركات النسوية في روسيا وأوروبا إلى ترسيخ تاريخ الثامن من مارس ليكون اليوم المعتمد عالميًا للاحتفال باليوم الدولي للمرأة. ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا التاريخ رمزًا للاحتفال بإنجازات المرأة والدعوة إلى مزيد من التقدم في تحقيق المساواة.

اعتراف الأمم المتحدة والأهمية المعاصرة

بلغت رحلة اليوم الدولي للمرأة ذروتها في عام 1975، عندما قامت منظمة الأمم المتحدة رسميًا بالاعتراف به وبدأت بالاحتفال به في الثامن من مارس. وقد أسهم هذا الاعتراف الدولي في ترسيخ مكانة اليوم كمنصة عالمية للدعوة إلى حقوق المرأة وتمكينها في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. اليوم، لا يمثل الثامن من مارس مجرد تذكير بالنضالات الماضية والإنجازات المحققة، بل هو أيضًا دعوة سنوية للعمل الحثيث، تحث الحكومات والمنظمات والأفراد في جميع أنحاء العالم على معالجة أوجه عدم المساواة المستمرة، وتعزيز التكافؤ بين الجنسين، وتمكين النساء والفتيات في كل جانب من جوانب الحياة، بدءًا من التعليم والرعاية الصحية وصولاً إلى القيادة وبناء السلام.

أسئلة شائعة حول اليوم الدولي للمرأة

متى احتفل الحزب الاشتراكي الأمريكي باليوم الوطني للمرأة للمرة الأولى؟
احتفل الحزب الاشتراكي الأمريكي باليوم الوطني للمرأة لأول مرة في 28 فبراير 1909، وذلك لتكريم عاملات النسيج المضربات في نيويورك.
من هي الشخصية الرئيسية التي اقترحت فكرة اليوم الدولي للمرأة؟
اقترحت كلارا زيتكين، الناشطة الاشتراكية الألمانية البارزة، فكرة اليوم الدولي للمرأة خلال المؤتمر الدولي الثاني للمرأة العاملة في كوبنهاغن عام 1910.
لماذا تم اختيار الثامن من مارس للاحتفال باليوم الدولي للمرأة؟
يعزى اختيار الثامن من مارس بشكل كبير إلى النساء الروسيات اللواتي احتفلن بيومهن العالمي للمرأة في هذا التاريخ (وفقًا للتقويم الغريغوري) عام 1913، داعيات إلى السلام وحقوق المرأة.
متى اعترفت الأمم المتحدة رسميًا باليوم الدولي للمرأة؟
اعترفت الأمم المتحدة رسميًا باليوم الدولي للمرأة وبدأت الاحتفال به في الثامن من مارس عام 1975.