تُخصص جزر الكناري، هذا الأرخبيل الإسباني الساحر الواقع في قلب المحيط الأطلسي، يوماً وطنياً للاحتفال بتراثها وهويتها الفريدة. يُعرف هذا اليوم بـ "يوم جزر الكناري" ويُحتفل به سنوياً في 30 مايو. هذا التاريخ ليس مجرد عطلة عامة؛ إنه يرمز إلى لحظة مفصلية في تاريخ الأرخبيل الحديث، حيث يصادف ذكرى انعقاد أول برلمان جزر الكناري في عام 1983. يجسد هذا اليوم الانتقال إلى مرحلة جديدة من الحكم الذاتي، مؤكداً على قدرة الإقليم على إدارة شؤونه الخاصة ضمن الإطار الدستوري الإسباني، ويعزز الشعور بالانتماء والفخر لدى سكان الأرخبيل.

جزر الكناري ليست مجرد مجموعة جزر؛ إنها فسيفساء طبيعية وثقافية غنية. يتكون هذا الأرخبيل من سبع جزر رئيسية مأهولة، لكل منها طابعها الخاص وسحرها الفريد. هذه الجزر هي: تينيريفي، غران كناريا، فويرتيفنتورا، لانزاروتي، لا بالما، لا غوميرا، وإل هييرو. تتميز هذه الجزر بنظام إداري فريد، حيث تتشارك عاصمتان في استضافة المؤسسات الحكومية الإقليمية: سانتا كروز دي تينيريفي في جزيرة تينيريفي، ولاس بالماس دي غران كناريا في جزيرة غران كناريا. يعكس هذا التوزيع الثنائي التوازن السياسي والتاريخي بين الجزيرتين الأكبر والأكثر سكاناً، وقد تم إقراره رسمياً في عام 1927 لضمان التمثيل العادل.

أصل التسمية: "جزيرة الكلاب الكبرى"

غالباً ما تُعرف جزر الكناري بالعامية بكلمة "كناريا"، وهي تسمية ذات جذور لاتينية عميقة. يعود أصل الكلمة إلى المصطلح اللاتيني "Canariae Insulae"، الذي يُترجم حرفياً إلى "جزر الكلاب الكبرى". هذه التسمية، التي ذكرها المؤرخ الروماني بلينيوس الأكبر في كتابه "التاريخ الطبيعي"، يُعتقد أنها تشير إلى وجود عدد كبير من الكلاب الضخمة أو أنواع معينة من الكلاب المستوطنة في الأرخبيل عند وصول المستكشفين الأوائل. هذه الكلاب لم تكن مجرد حيوانات عادية، بل ربما كانت ذات أهمية خاصة للسكان الأصليين، أو كانت لافتة للنظر بحجمها وعددها، مما دفع الرومان لإطلاق هذه التسمية المميزة على الجزر، والتي ما زالت محفورة في اسمها حتى يومنا هذا.

الغوانش: السكان الأصليون والتراث الجيني

كان السكان الأصليون لجزر الكناري هم الغوانش، وهم شعب فريد من نوعه عاش في الجزر قبل وصول الأوروبيين. لقد ترك الغوانش بصمة ثقافية عميقة في الأرخبيل، تمثلت في فنونهم الصخرية، هياكلهم الحجرية، ومومياواتهم المحنطة، بالإضافة إلى لغتهم المتميزة التي انقرضت الآن بعد الاستعمار. الأبحاث الحديثة، وخاصةً دراسات الحمض النووي القديم (aDNA) التي نُشرت في مجلات علمية مرموقة مثل "Current Biology" و "PLOS One"، قد كشفت عن روابط جينية وثيقة بين الغوانش وشعوب البربر في شمال أفريقيا. تشير هذه الدراسات إلى أن الغوانش انحدروا من موجات هجرة قديمة من شمال إفريقيا، مما يفسر التشابه الوراثي الكبير بينهم وبين البربر المعاصرين، ويقدم دليلاً قوياً على أصولهم الأفريقية قبل العصر الروماني، قبل آلاف السنين من وصول الإسبان.

جزر الكناري: بوابة العالم الجديد

شكلت جزر الكناري نقطة تحول محورية في تاريخ إسبانيا واكتشاف العالم الجديد. على الرغم من أن الجزر لم تكتسب "الحكم الذاتي" بالمعنى الحديث إلا في أواخر القرن العشرين، إلا أن عملية دمجها الكامل ضمن تاج قشتالة اكتملت في أواخر القرن الخامس عشر (مع غزو تنيريفي عام 1496). بعد هذا الدمج، تحولت الجزر سريعاً إلى محطة إستراتيجية حيوية للمستكشفين الأوروبيين المتجهين نحو الأمريكتين. كان كريستوفر كولومبوس نفسه قد توقف في جزر الكناري (خاصة في لا غوميرا وغران كناريا) خلال رحلاته الأربع الشهيرة إلى العالم الجديد، حيث كانت الجزر توفر له المياه العذبة، والإمدادات الغذائية، ومحطة أخيرة لضبط السفن والإبحار مستفيداً من الرياح التجارية المواتية التي تدفع السفن غرباً عبر المحيط الأطلسي. هذا الدور المحوري في عصر الاكتشافات جعل من جزر الكناري معلماً تاريخياً لا يمحى، وربطها بشكل وثيق بملاحم الاستكشاف العالمية التي غيرت مسار التاريخ.

أسئلة شائعة حول جزر الكناري

ما هو يوم جزر الكناري؟
هو عطلة عامة تحتفل بها جزر الكناري سنوياً في 30 مايو، إحياءً لذكرى تأسيس أول برلمان إقليمي في عام 1983، والذي يرمز إلى بدء مرحلة الحكم الذاتي للإقليم واستقلاليتها الإدارية.
لماذا سميت جزر الكناري بهذا الاسم؟
اشتقت تسمية "جزر الكناري" من الكلمة اللاتينية "Canariae Insulae" (جزر الكلاب الكبرى)، ويُعتقد أن ذلك يعود إلى وجود أعداد كبيرة من الكلاب الضخمة أو الأصناف المحلية التي لاحظها المستكشفون الرومان الأوائل في الأرخبيل، وقد ذكر هذا التفسير المؤرخ بلينيوس الأكبر.
من هم السكان الأصليون لجزر الكناري؟
السكان الأصليون لجزر الكناري هم الغوانش، وقد أظهرت الأبحاث الجينية الحديثة والموثوقة أنهم يرتبطون ارتباطاً وثيقاً بشعوب البربر في شمال أفريقيا، مما يشير إلى أصولهم الإفريقية.
ما هو الدور التاريخي لجزر الكناري؟
لعبت جزر الكناري دوراً محورياً كبوابة للعالم الجديد بعد استكمال غزوها من قبل تاج قشتالة في أواخر القرن الخامس عشر. كانت محطة توقف وإمداد أساسية للرحلات الاستكشافية، بما في ذلك رحلات كريستوفر كولومبوس إلى الأمريكتين، مستفيدة من موقعها الاستراتيجي ورياحها التجارية المواتية التي سهلت العبور عبر المحيط الأطلسي.