تزهو العاصمة الإسبانية مدريد، قلب إسبانيا النابض، في التاسع من نوفمبر من كل عام بعطلة إقليمية عامة ذات مكانة خاصة. يحتفل هذا اليوم المهيب بعيد سيدة المدينة، "سانتا ماريا لا ريال دي لا ألمودينا"، إجلالاً وتكريماً لمريم العذراء، أم السيد المسيح، التي تتجلى كراعية وحامية لمدريد، ويغمرها سكانها بالتقديس والإجلال.

هذا العيد ليس مجرد يوم إجازة، بل هو تجسيد حي لتاريخ المدينة العريق وتراثها الروحي الغني، الذي يمزج بين العبادات المسيحية العميقة والجذور الأندلسية للمدينة. إنه يوم يتوقف فيه إيقاع الحياة الصاخب في مدريد ليُفسح المجال لاحتفالات تعود لقرون طويلة، وتستعرض الروابط القوية التي تجمع المدينة براعيتها.

أصل التسمية والرمز التاريخي: "فيرجين دي لا ألمودين"

الرمز الأساسي لهذا الاحتفال، والذي يختزل في طياته حكايات قرون من الزمن، هو تمثال العذراء "فيرجين دي لا ألمودين" (Virgen de la Almudena). هذا التمثال، الذي يُصوّر السيدة العذراء وهي تحتضن الطفل المقدس بحنان، يحمل تسمية فريدة وعميقة الجذور مشتقة من الكلمة العربية "المدائن" أو "المدينة"، والتي تعني القلعة أو الحصن المسوّر.

يعود هذا الارتباط إلى قصة أسطورية وتاريخية ساحرة: فبحسب الروايات، تم إخفاء التمثال داخل جدران مدينة مدريد القديمة في القرن الثامن الميلادي، أثناء الغزو الإسلامي لشبه الجزيرة الإيبيرية، وذلك لحمايته من التدمير. وقد ظل مخفياً لقرون عديدة حتى تم اكتشافه المعجزي بعد استرداد مدريد من قبل المسيحيين في عام 1085 ميلادي. يُقال أن جزءًا من الجدار القديم قد انهار تلقائياً، كاشفاً عن التمثال سليمًا ومضيئاً، مما اعتبره السكان علامة إلهية. هذا الاكتشاف المذهل، الذي حدث في منطقة كانت تُعرف بالقلعة أو "المدائن"، هو ما منح العذراء اسمها المميز، رابطاً إياها إلى الأبد بتاريخ مدريد المتشابك وتراثها متعدد الثقافات. يُذكر أن التمثال نفسه هو منحوتة خشبية صغيرة من فن القوطية المتأخر، وتُزين بملابس متقنة وتيجان تليق بملكة.

احتفالات يوم العذراء: موكب مهيب وتقاليد راسخة

يُشكل موكب العذراء العنصر الأبرز والأكثر إثارة في هذا اليوم. فمع إشراقة شمس التاسع من نوفمبر، تكتظ شوارع مدريد بالحشود الغفيرة من السكان والزوار، الذين يأتون للمشاركة في هذه المسيرة العظيمة ذات الطابع الديني والاحتفالي. يُحمل التمثال المقدس على أكتاف المصلين، في مشهد مهيب يُغلّفه الإيمان العميق والفخر الثقافي، من كنيسة "سان أندريس" التاريخية (أو أحياناً من ساحة بلازا مايور)، ليشق طريقه ببطء نحو وجهته النهائية: كاتدرائية ألمودينا (Catedral de Santa María la Real de la Almudena) المهيبة، التي تقف شامخة بجوار القصر الملكي.

تتخلل المسيرة ترانيم دينية وموسيقى تقليدية، وتُزيّن الشوارع بالورود والأعلام، مما يخلق أجواءً من البهجة والخشوع في آن واحد. يصل الموكب إلى الكاتدرائية حيث تقام قداسات واحتفالات دينية كبرى بحضور كبار الشخصيات الكنسية والمدنية، بما في ذلك أحياناً أفراد العائلة المالكة الإسبانية، وذلك لتكريم راعية المدينة. تُقدم آلاف باقات الزهور عند أقدام تمثال العذراء، لتشكل لوحة فنية ساحرة تعكس حجم المحبة والتبجيل.

ما وراء الموكب: تقاليد غنية ونكهات مميزة

لا تقتصر احتفالات عيد ألمودينا على الموكب فقط، بل تمتد لتشمل مجموعة من التقاليد والفعاليات التي تثري هذا اليوم:

أسئلة شائعة حول عيد ألمودينا

متى يُحتفل بعيد سيدة ألمودينا؟
يُحتفل بعيد سيدة ألمودينا في التاسع من نوفمبر من كل عام، وهو عطلة إقليمية عامة في مدريد، مما يسمح لسكان المدينة بالمشاركة الكاملة في الاحتفالات.
لماذا يُعد تمثال فيرجين دي لا ألمودين مهماً؟
التمثال هو الرمز الرئيسي للاحتفال، ويُمثل راعية مدريد الرسمية. ترتبط به قصة تاريخية وأسطورية عن اكتشافه المعجزي داخل جدران المدينة القديمة بعد استردادها، مما يجعله تجسيداً لتراث المدينة المسيحي والإسلامي، ورمزاً للصمود والهوية.
ما هو أصل اسم "ألمودينا"؟
اسم "ألمودينا" مشتق من الكلمة العربية "المدائن" أو "المدينة"، في إشارة إلى القلعة أو الحصن المسوّر حيث يُعتقد أن التمثال قد تم إخفاؤه واكتشافه لاحقاً. هذا الاسم يعكس الجذور العربية العميقة لجزء كبير من تاريخ إسبانيا.
ما هي الأنشطة الرئيسية في هذا اليوم؟
النشاط الرئيسي هو الموكب المهيب الذي يحمل فيه تمثال العذراء إلى كاتدرائية ألمودينا لإقامة قداس احتفالي كبير. كما تشمل الفعاليات عروض الزهور الملونة، وتناول حلوى "كورونا دي لا ألمودينا" التقليدية اللذيذة، وفعاليات ثقافية وفولكلورية تعكس التراث الغني لمدريد.