في قلب كل عام، وتحديداً في السادس والعشرين من يناير، تتجه أنظار الأستراليين نحو الاحتفال بيوم أستراليا الوطني، وهو مناسبة فريدة تحمل في طياتها تاريخًا غنيًا ومعقدًا. يُمثّل هذا اليوم لحظة محورية في تاريخ القارة الأسترالية، إذ يُخلّد وصول الأسطول البريطاني الأول إلى بورت جاكسون، في ولاية نيو ساوث ويلز، عام 1788. كان هذا الحدث التاريخي بمثابة إيذان ببدء الاستيطان الأوروبي المنظم، حيث تم رفع علم بريطانيا العظمى بشموخ من قِبل الحاكم آرثر فيليب في خليج سيدني (سيدني كوف)، مؤشرًا على إعلان السيادة البريطانية على الأراضي الجديدة.

رحلة الأسطول الأول: فجر عهد جديد

لم يكن وصول الأسطول البريطاني الأول مجرد حدث عابر؛ بل كان تتويجًا لرحلة بحرية شاقة استغرقت أكثر من ثمانية أشهر، قاطعةً آلاف الأميال من إنجلترا إلى القارة المجهولة. تألف هذا الأسطول من إحدى عشرة سفينة، حملت على متنها حوالي 1500 شخص، من بينهم أكثر من 750 مدانًا (رجال ونساء وأطفال)، بالإضافة إلى جنود البحرية والضباط والمسؤولين الذين كُلفوا بمهمة تأسيس مستعمرة جزائية. كان الهدف الأساسي هو تخفيف الاكتظاظ في السجون البريطانية وتوفير موقع جديد للمدانين بعد فقدان مستعمراتها في أمريكا.

عند الوصول، واجه الحاكم آرثر فيليب، الذي كان قائدًا بحريًا ذا بصيرة، تحديات جمة. فبعد استكشاف خليج بوتاني الذي كان الهدف الأول، وجد أنه غير مناسب للاستيطان بسبب نقص المياه العذبة والتربة الفقيرة. لذا، قاد الأسطول شمالًا لمسافة قصيرة إلى بورت جاكسون، حيث اكتشف خليج سيدني الخلاب، الذي تميز بمياهه العميقة وموارده الطبيعية الوفيرة، ليصبح الموقع المثالي لأول مستوطنة أوروبية دائمة في أستراليا.

دلالة رفع العلم في سيدني كوف

في 26 يناير 1788، وفي مشهد مهيب، قام الحاكم آرثر فيليب برفع العلم البريطاني في سيدني كوف. لم يكن هذا مجرد إجراء رمزي؛ بل كان إعلانًا رسميًا لإنشاء مستعمرة نيو ساوث ويلز، وتأكيدًا على المطالبة البريطانية بالسيادة على جميع الأراضي الواقعة شرق خط الطول 135 درجة شرقًا. هذا الحدث، المعروف بيوم التأسيس، يُنظر إليه على أنه اللحظة التي بدأت فيها أستراليا الحديثة تتشكل، وبدأت موجات الهجرة الأوروبية في تغيير وجه القارة إلى الأبد.

يوم أستراليا: احتفال وتأمل

اليوم، يُحتفل بيوم أستراليا بمجموعة واسعة من الفعاليات، من حفلات الشواء العائلية في الهواء الطلق، إلى المسيرات الاحتفالية، والألعاب النارية المذهلة، واحتفالات المواطنة التي يتم فيها الترحيب بالمواطنين الجدد في النسيج الأسترالي. تُعد هذه المناسبة فرصة للمجتمعات للتجمع والاحتفال بالثقافات المتنوعة التي تشكل أستراليا المعاصرة، وإنجازاتها على مدى قرون.

وجهة نظر أخرى: يوم الغزو ويوم البقاء

مع ذلك، لا يمر يوم 26 يناير دون جدل كبير. فبالنسبة للعديد من السكان الأصليين الأستراليين، يُمثّل هذا اليوم بداية الغزو والاستعمار، وفقدان الأراضي، والقمع الثقافي، والتأثيرات المدمرة التي لحقت بمجتمعاتهم التي سكنت هذه الأرض لعشرات الآلاف من السنين. يُشار إليه غالبًا بـ "يوم الغزو" (Invasion Day) أو "يوم البقاء" (Survival Day)، حيث تُقام المسيرات والاحتجاجات لزيادة الوعي بتاريخ السكان الأصليين وتجاربهم المؤلمة، وللمطالبة بالعدالة والمصالحة، أو حتى تغيير تاريخ الاحتفال بيوم أستراليا إلى يوم يوحّد جميع الأستراليين.

يعكس هذا النقاش المتزايد حول دلالة 26 يناير التزام أستراليا بالتعامل مع تاريخها المعقد بشفافية، والاعتراف بتجارب جميع مواطنيها، والسعي نحو مستقبل أكثر شمولاً ومصالحة.

أسئلة متكررة حول يوم أستراليا

ما هو يوم أستراليا الوطني؟

هو اليوم الوطني لأستراليا، ويتم الاحتفال به في 26 يناير من كل عام. يحيي هذا اليوم ذكرى وصول الأسطول البريطاني الأول وتأسيس أول مستوطنة أوروبية دائمة في القارة عام 1788.

لماذا يتم الاحتفال بيوم أستراليا في 26 يناير؟

يصادف 26 يناير التاريخ الذي وصل فيه الأسطول البريطاني الأول، بقيادة الكابتن آرثر فيليب، إلى سيدني كوف ورفع العلم البريطاني، معلنًا السيادة البريطانية على شرق أستراليا.

من كان الحاكم آرثر فيليب؟

كان الحاكم آرثر فيليب أول حاكم لمستعمرة نيو ساوث ويلز. وصل مع الأسطول الأول عام 1788 وكان مسؤولاً عن تأسيس المستعمرة وتنظيمها وإدارة شؤونها في سنواتها الأولى الصعبة.

ماذا كان الأسطول البريطاني الأول؟

كان الأسطول البريطاني الأول مجموعة من إحدى عشرة سفينة بحرية أبحرت من إنجلترا عام 1787، حاملةً حوالي 1500 شخص، منهم مدانون وجنود ومسؤولون، بهدف تأسيس مستعمرة جزائية في أستراليا.

لماذا يعتبر يوم 26 يناير مثيرًا للجدل؟

بينما يحتفل به البعض كيوم لتأسيس الأمة الأسترالية الحديثة، يراه العديد من السكان الأصليين الأستراليين كيوم "غزو" أو "احتلال"، حيث يرمز إلى بدء الاستعمار، وفقدان أراضيهم، والتأثيرات المدمرة على ثقافاتهم ومجتمعاتهم.