في الأول من يوليو من كل عام، تتوشح كندا بألوانها الوطنية الحمراء والبيضاء، وتعم الاحتفالات والبهجة أرجاء البلاد، إنه "يوم كندا". هذا اليوم ليس مجرد عطلة عامة، بل هو تجسيد لروح الأمة الكندية وفخرها بتاريخها الغني والمتنوع، ويحتفل فيه الكنديون بذكرى تأسيس بلادهم ككيان فيدرالي مستقل ضمن الإمبراطورية البريطانية، ليمثل نقطة انطلاق نحو السيادة الكاملة.

التأسيس والتطور التاريخي ليوم كندا

يصادف الأول من يوليو 1867، التاريخ المحوري الذي دخل فيه "قانون أمريكا الشمالية البريطانية" (British North America Act) حيز التنفيذ. بموجب هذا القانون التاريخي، اتحدت ثلاث مستعمرات بريطانية وهي مقاطعة كندا (التي أصبحت لاحقًا أونتاريو وكيبيك)، نوفا سكوشا، ونيو برونزويك لتشكيل "دومينيون كندا" (Dominion of Canada). كانت هذه الخطوة بمثابة ولادة للأمة الكندية، التي بدأت مسيرتها نحو الاستقلال التام. وعلى الرغم من أن كندا كانت تتمتع بحكم ذاتي كبير آنذاك، إلا أنها ظلت جزءًا من التاج البريطاني، حيث كان مصطلح "دومينيون" يشير إلى كيان يتمتع بحكم ذاتي واسع ولكنه لا يزال تابعًا للإمبراطورية. ومن المثير للاهتمام أن هذا اليوم لم يكن يُعرف باسم "يوم كندا" على الفور؛ فقبل عام 1983، كان يُحتفل به تحت مسمى "يوم السيادة" (Dominion Day). جاء تغيير الاسم في عام 1983 ليعكس التحول في الهوية الكندية، من مجرد "دومينيون" تابع للإمبراطورية إلى أمة مستقلة ذات سيادة كاملة ومعترف بها دولياً، متخلصة تدريجياً من الروابط الاستعمارية وتؤكد على هويتها الوطنية الفريدة.

احتفالات تعم الأرجاء: من أوتاوا إلى أصغر المجتمعات

يُعد يوم كندا عطلة وطنية محبوبة للغاية، حيث تتجلى روح الوحدة والفخر الوطني بوضوح في جميع أنحاء البلاد. تجد العلم الوطني الكندي، بنقش ورقة القيقب الحمراء والبيضاء المميز، يرفرف عالياً في كل زاوية وناحية، من المباني الحكومية الشاهقة إلى شرفات المنازل المتواضعة والسيارات. وكثير من الكنديين، صغارًا وكبارًا، يشاركون في الفعاليات بتلوين وجوههم بالألوان الوطنية الحمراء والبيضاء، أو بارتداء الملابس التي تحمل هذه الألوان أو رموز كندا. تُنظم في هذا اليوم المئات من الفعاليات والأنشطة في المدن والبلدات في جميع أنحاء البلاد، وتشمل:

• المسيرات المبهجة: حيث تشارك الفرق الموسيقية، والعربات المزينة، والمجموعات المجتمعية التي تمثل التنوع الثقافي في كندا.
• الكرنفالات والمهرجانات العائلية: التي تقدم الألعاب والأنشطة الترفيهية، والموسيقى الحية، وأكشاك الطعام التي تقدم المأكولات الكندية التقليدية لجميع الأعمار.
• الحفلات الموسيقية المجانية: التي تستضيف فنانين كنديين مشهورين وتجمع الآلاف للاستمتاع بالموسيقى الوطنية والدولية.
• عروض الألعاب النارية البراقة: التي تُختتم بها الاحتفالات عادة مع غروب الشمس، مضيئة سماء الليل بألوان الفرح والتوهج فوق المعالم الشهيرة مثل شلالات نياجرا والموانئ الكبرى.

وفي العاصمة الفيدرالية، أوتاوا، تكون الاحتفالات ضخمة وباهرة بشكل خاص. يتجمع الآلاف على تل البرلمان (Parliament Hill)، حيث تُقام المراسم الرسمية بحضور كبار الشخصيات من الحكومة والعائلة المالكة، وتُحيي فرق العروض الجوية سماء المدينة باستعراضات مذهلة، وتُقدم عروض موسيقية حية على منصات متعددة، لتجعل من هذا اليوم ذكرى لا تُنسى في قلوب الكنديين، تعكس حجم الفخر الوطني بالهوية الكندية.

يوم كندا في المقاطعات: تنوع الاحتفالات والتأملات

تتخذ احتفالات يوم كندا أبعادًا فريدة في بعض المقاطعات، مما يعكس التنوع الثقافي والتاريخي الغني للبلاد، ويضفي على هذا اليوم الوطني طابعًا خاصًا في كل منطقة.

يوم الترحال في كيبيك (Jour du déménagement)

في مقاطعة كيبيك الناطقة بالفرنسية، يُعرف الأول من يوليو أيضًا باسم "يوم الترحال" أو "يوم الانتقال" (Jour du déménagement). هذا التقليد فريد من نوعه ويعود سببه إلى تاريخ من القوانين والأنظمة المتعلقة بالعقود الإيجارية في المقاطعة. فتقليدياً، تبدأ وتُنهى معظم عقود الإيجار السكنية في كيبيك في هذا اليوم، مما يدفع الآلاف من العائلات والطلاب إلى الانتقال إلى منازل جديدة في نفس الوقت، مشكّلين مشهدًا فريدًا من شاحنات النقل التي تزدحم بها الشوارع. يمكن أن تكون الشوارع مليئة بشاحنات النقل والأثاث، مما يضفي على هذا اليوم طابعًا خاصًا ومختلفًا عن الاحتفالات التقليدية بيوم كندا في بقية أنحاء البلاد، حيث يمتزج الاحتفال الوطني بنشاط لوجستي مكثف.

يوم الذكرى في نيوفاوندلاند ولابرادور

تختلف الأجواء في مقاطعة نيوفاوندلاند ولابرادور بشكل ملحوظ، حيث يتزامن يوم كندا مع يوم الذكرى (Memorial Day)، وهو يوم تذكاري مؤثر يحيي ذكرى التضحيات الجسيمة لجنود نيوفاوندلاند الذين سقطوا في معركة السوم خلال الحرب العالمية الأولى، وتحديدًا في معركة بومونت-هاميل (Beaumont-Hamel) في الأول من يوليو 1916. كانت هذه المعركة كارثة حقيقية للكتيبة الملكية لنيوفاوندلاند، حيث تكبدت خسائر فادحة في غضون دقائق معدودة، وفقدت ما يقرب من 90% من عناصرها المشاركة في الهجوم، مما ترك ندوبًا عميقة في كل مجتمع في الجزيرة. لذلك، يبدأ اليوم في هذه المقاطعة بمراسم تأبين مهيبة وصامتة، تُقام في الصباح لتكريم هؤلاء الأبطال الذين ضحوا بحياتهم، وتعكس حجم المأساة التي عاشتها المجتمعات المحلية. بعد انتهاء هذه المراسم الرسمية والحزينة، تتحول الأجواء تدريجياً إلى احتفالات يوم كندا الأكثر بهجة، لتصبح مزيجًا فريدًا من الحداد الوطني والفخر القومي، يجسد تاريخ المقاطعة المعقد والمرونة التي تتمتع بها.

أسئلة متكررة حول يوم كندا

ما هو التاريخ الفعلي لتأسيس كندا؟

يعتبر الأول من يوليو 1867 هو التاريخ الفعلي لتأسيس دومينيون كندا بموجب قانون أمريكا الشمالية البريطانية، والذي جمع بين مستعمرات متعددة لتشكيل كيان فيدرالي واحد، وشكل خطوة حاسمة نحو السيادة الكندية.

لماذا تغير اسم "يوم السيادة" إلى "يوم كندا"؟

تغير الاسم في عام 1983 ليعكس الهوية الوطنية الكندية المتطورة واستقلالها المتزايد عن التاج البريطاني، مؤكداً على السيادة الكاملة للبلاد كأمة مستقلة وذات سيادة، ومحتفلاً بهويتها الخاصة.

هل يوم كندا عطلة رسمية؟

نعم، يوم كندا هو عطلة عامة فيدرالية على مستوى البلاد، مما يعني أنه يوم عطلة مدفوع الأجر لمعظم العاملين في كندا، ويسمح للجميع بالمشاركة في الاحتفالات أو قضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء.