يُعدّ "دهانو سانكرانتي" (Dhanu Sankranti) أحد المهرجانات الهندوسية ذات الأهمية الروحية والثقافية العميقة، والذي يُمثّل لحظة فلكية محورية: عبور الشمس من برج العقرب إلى علامة الأبراج "ساغيتاريوس" (Sagittarius)، المعروفة في علم الفلك الهندي باسم "دهانو راشي" (Dhanu Rashi). هذه الحركة الكونية ليست مجرد حدث فلكي، بل تُشكل نقطة تحول في التقويم الهندوسي، حيث تُشير إلى بداية شهر "دهانو" في التقويم الشمسي. على الرغم من أن بعض التقاليد تعتبر هذا الشهر فترة "كار ماسا" (Khar Masa) أو "مالماس" (Malmas) حيث يُفضل تجنب بعض المناسبات الاحتفالية الكبرى مثل الزواج، إلا أنه يُعد وقتاً مباركاً للتأمل والعبادة والممارسات الروحية، ويُعتقد أنه يُعزز النمو الروحي.

عبادة الآلهة في دهانو سانكرانتي

في هذا اليوم المميز، تتوجه قلوب المصلين بالعبادة إلى إلهين جليلين: الرب "سوريا" (Surya)، إله النور والحياة، واللورد "جاغاناث" (Jagannath)، الذي يُعد تجسيدًا مهيبًا للرب "فيشنو" (Vishnu). ولماذا هذان الإلهان بالذات؟

• الرب سوريا: يُبجل "سوريا ديفا" كالمصدر الأساسي للطاقة والحياة والنور في الكون، وهو رمز للوعي والنقاء. يُعتقد أن عبادته في "دهانو سانكرانتي" تجلب الصحة الجيدة، الوفرة، والتنوير الروحي، وتُطهر الجسد والعقل. غالباً ما تتضمن طقوس العبادة تقديم "الأرغيام" (Arghyam)، وهو تقديم الماء للشمس عند شروقها، مع ترديد المانترا المقدسة، طلباً للبركات وتطهير الروح. يُعد هذا الطقس تعبيراً عن الامتنان للقوة الشمسية التي تُغذي الحياة.
• اللورد جاغاناث: يتمتع اللورد "جاغاناث" بمكانة خاصة جداً، لا سيما في ولاية أوديشا الهندية، حيث يقع معبده الشهير في بوري، أحد مواقع الحج الأربعة الرئيسية في الهند (شار دام). يُنظر إليه على أنه شكل فريد وودي لـ "فيشنو" أو "كريشنا"، ويُجسد الوحدة الكونية والإله القادر على تلبية رغبات المصلين. تُقام في هذا اليوم طقوس خاصة في معابد جاغاناث، ويُعتقد أن عبادته تُبارك المصلين بالسلام والازدهار والحماية، وتُعزز الارتباط الروحي باللورد الأعلى.

مهرجان دهانو ياترا: مسرح الشارع الأضخم

لا يقتصر الاحتفال بـ "دهانو سانكرانتي" على الطقوس الدينية فحسب، بل يتجسد أيضاً في عروض فنية وثقافية مذهلة، أبرزها مهرجان "دهانو ياترا" (Dhanu Yatra) المهيب. تخيل المشهد: مدينة بأكملها تتحول إلى خشبة مسرح مفتوحة، حيث تُعرض مسرحيات الشارع التي تُحيي فصولاً درامية من حياة الرب "كريشنا" (Krishna) في عرض تفاعلي ومُبهر.

• ملحمة كريشنا وكامسا: تُصور هذه المسرحيات، ببراعة وإتقان، الرحلة الكاملة للرب "كريشنا" منذ لحظة ولادته المعجزة في السجن بمدينة ماثورا، مروراً بطفولته وشبابه في قرية جوكولا الأسطورية حيث نشأ بعيداً عن أعين الطاغية، وصولاً إلى ذروة الصراع المتمثلة في مقتل الحاكم الطاغية "كامسا" (Kamsa)، خال "كريشنا" الذي حاول قتله مراراً وتكراراً خوفاً من نبوءة تتنبأ بموته على يد ابن أخته الثامن. إنها قصة انتصار الخير على الشر، والنور على الظلام، وتُقدم دروساً عميقة عن العدالة والتضحية.
• مصدر الإلهام: بهاغافاتا بورونا: تُستمد معظم هذه الأحداث وتفاصيلها الغنية مباشرةً من "بهاغافاتا بورونا" (Bhagavata Purana)، وهو أحد النصوص المقدسة الرئيسية في الهندوسية، والذي يُعرف أيضاً باسم "شريماد بهاغافاتام". يُعتبر هذا النص مرجعاً شاملاً لسيرة "كريشنا" وفلسفة الفيشنافية، ويُقدم حكايات عميقة عن الحب الإلهي، الولاء، والعدالة، ويُشكل الأساس الروحي لهذه المسرحيات.
• دهانو ياترا: ظاهرة عالمية: يُعد "دهانو ياترا" في "بارغاره" (Bargarh) بولاية أوديشا، الحدث الأبرز في هذا السياق. إنه ليس مجرد مهرجان، بل هو أكبر مسرح مفتوح في العالم، يمتد على مدار 11 يوماً ويجذب آلاف المشاركين والمتفرجين من جميع أنحاء الهند والعالم. تُحوّل مدينتا "بارغاره" و"أمببالي" المجاورة إلى مدينتي "ماثورا" و"جوكولا" التاريخيتين على التوالي، مع ممثلين يُجسدون الأدوار الرئيسية ويُقدمون عروضاً حية، مما يُغمر الحضور في أجواء حقيقية من تلك الحقبة الأسطورية، ويُقدم تجربة ثقافية فريدة لا تُنسى.

أسئلة شائعة حول دهانو سانكرانتي

متى يُحتفل بـ "دهانو سانكرانتي"؟

يُحتفل به عندما تدخل الشمس برج القوس (ساغيتاريوس)، وهو ما يحدث عادةً في منتصف شهر ديسمبر من كل عام، ويُشير إلى بداية شهر "دهانو" في التقويم الهندوسي الشمسي.

ما هو "دهانو ياترا" وما أهميته؟

"دهانو ياترا" هو أكبر مهرجان مسرحي في الهواء الطلق في العالم، يُقام سنوياً في بارغاره بولاية أوديشا. يُعيد هذا المهرجان تجسيد قصة حياة الرب كريشنا منذ ولادته وحتى مقتل الطاغية كامسا، وهو يرتكز على أحداث "بهاغافاتا بورونا" المقدسة، ويُعد تجربة ثقافية وروحية غامرة تستقطب الجماهير.

ما هي الآلهة الرئيسية التي تُعبد في هذا اليوم؟

الآلهة الرئيسية التي تُعبد في هذا اليوم هما الرب "سوريا" (إله الشمس والنور) واللورد "جاغاناث" (تجسيد للرب فيشنو)، طلباً للبركات، الصحة، والسلام، والارتباط الروحي، خاصة في ولاية أوديشا الهندية.