تتجذر عبادة الثعابين، المعروفة باسم "ناغا" (Naga)، بعمق في الثقافة الهندوسية، وتشكل تقليداً قديماً يمتد لآلاف السنين. لا يقتصر الاحتفال بهذه الممارسة الروحية على الهند وحدها، بل ينتشر في كل بلد ومدينة تضم مجتمعات هندوسية نابضة بالحياة، من نيبال وسريلانكا إلى إندونيسيا (خاصة بالي) وحتى مجتمعات الشتات حول العالم، مما يعكس انتشار الإيمان وتأثيره الواسع. لا تُعد "ناغا" مجرد ثعابين عادية، بل كائنات أسطورية قوية تُجسد الحكمة والحماية وأحياناً الانتقام في النصوص المقدسة الهندوسية، مثل ملاحم "المهابهاراتا" و"الرامايانا"، حيث تظهر غالباً ككائنات شبه إلهية قادرة على اتخاذ أشكال بشرية أو ثعبانية.
ناغا بانشامي: احتفال موسمي بالقداسة
يُقام الحدث الرئيسي المخصص لعبادة "ناغا" خلال مهرجان يُعرف باسم "ناغا بانشامي" (Naga Panchami)، والذي يقع تقليدياً في اليوم الخامس من "شوكلا باكشا" (الشهر المشرق أو النصف المشرق من الشهر) في شهر "شرافانا" (Shravana) من التقويم الهندوسي القمري. يتزامن هذا الشهر عادةً مع الفترة ما بين شهري يوليو وأغسطس في التقويم الغريغوري. يُعتبر شهر "شرافانا" فترة مباركة بشكل خاص في الهندوسية، حيث تكثر فيه الأمطار الموسمية (المونسون)، وتظهر الثعابين بكثرة من جحورها، مما يعزز فكرة أهمية إرضاء هذه الكائنات من أجل الحماية والسلامة العامة من مخاطر لدغاتها.
العالم السفلي للناغا: باتالا لوكا وناغا لوكا
وفقاً للمعتقدات الهندوسية، تعيش الثعابين في عالم سفلي غامض يُعرف باسم "باتالا لوكا" (Patala Loka). هذا العالم ليس مجرد "جحيم" بالمعنى الغربي، بل هو مجموعة من العوالم السفلية السبع المبهجة التي تقع تحت سطح الأرض، وتتميز بالثروات والجمال. يُطلق على أدنى وأكثر هذه العوالم روعة اسم "ناغا لوكا" (Naga Loka)، وهو موطن الملوك الأقوياء للناغا، مثل "شينا ناغا" (Shesha Naga) المعروف أيضاً باسم "أنانتا" (Ananta)، وهو الثعبان الكوني ذو الألف رأس الذي يحمل الرب فيشنو في نومه الكوني، ويُعتقد أنه يدعم الكون بأسره. كما تضم "ناغا لوكا" "فاس وكي" (Vasuki)، الثعبان الأسطوري الذي استخدمه الآلهة والأسوراس (الشياطين) لخلط محيط الحليب الأسطوري في "سامودرا مانثان" (Samudra manthan) للحصول على رحيق الخلود.
دلالات العبادة والطقوس
يعبد الهندوس الثعابين اعتقاداً راسخاً بأنها تمنح البركة والحماية والازدهار للعائلات. فالثعابين تُعتبر حراس الكنوز، ومصدر الخصوبة، ورمزاً للقوة الكونية والطاقة الكامنة (كونداليني). في يوم "ناغا بانشامي"، تُقام طقوس خاصة ومفصلة تبجيلاً لهذه الآلهة الثعبانية. يُعتبر صب الحليب على صور الثعابين أو تماثيلها (وإذا أمكن، على الثعابين الحقيقية في ملاذات خاصة، مع التأكيد على سلامتهم وعدم إيذائهم) جزءاً أساسياً من هذه الطقوس. يُقدم الحليب كرمز للنقاء والصحة والوفرة. بالإضافة إلى الحليب، تُقدم قرابين أخرى مثل الزهور الطازجة، وخليط "هالدي" (الكركم) و"كومكوم" (مسحوق أحمر)، والأرز، والحلوى، وأحياناً البيض، إلى "ناغا ديفاتا" (الآلهة الثعبانية). يُردد المصلون المانترا والتلاوات المقدسة لطلب البركة، وحماية عائلاتهم من لدغات الثعابين، وضمان خصوبة الأرض، وجلب الرخاء. تُزين المنازل بصور الثعابين، ويتم رسم رسومات خاصة على الأرض تُمثل هذه الكائنات المقدسة، مما يخلق جواً من الرهبة والتقوى يعكس الاحترام العميق الذي يكنه الهندوس للثعابين.
أسئلة شائعة حول عبادة الناغا في الهندوسية
- ما هو مفهوم "ناغا" في الهندوسية؟
- في الهندوسية، "ناغا" تشير إلى كائنات أسطورية على شكل ثعبان أو كائنات شبه إلهية ذات رأس بشري وجسد ثعبان، تُعد رمزاً للقوة والحكمة والحماية، وغالباً ما ترتبط بالماء والخصوبة.
- متى يتم الاحتفال بمهرجان "ناغا بانشامي"؟
- يُحتفل به في اليوم الخامس من النصف المشرق (شوكلا باكشا) من شهر "شرافانا" في التقويم الهندوسي القمري، والذي يوافق غالباً شهري يوليو أو أغسطس.
- لماذا يعبد الهندوس الثعابين؟
- يعبدونها لاعتقادهم بأنها تجلب البركة والازدهار والحماية من لدغات الثعابين، وتُعد رمزاً للخصوبة والقوة الكونية. كما أنهم مرتبطون بآلهة رئيسية مثل فيشنو وشيفا.
- ما هي أهم الطقوس المتبعة في "ناغا بانشامي"؟
- تشمل الطقوس الرئيسية صب الحليب والماء على صور أو تماثيل الثعابين، وتقديم الزهور، والكركم، والكومكوم، والأرز، والحلوى، وترديد المانترا، وطلب البركات من "ناغا ديفاتا".
- ما هو "باتالا لوكا" و"ناغا لوكا"؟
- "باتالا لوكا" هو العالم السفلي في الأساطير الهندوسية، ويضم سبعة أقاليم. "ناغا لوكا" هو أدنى هذه الأقاليم وأجملها، ويُعتبر موطن كائنات الناغا القوية وملوكها مثل شينا ناغا (أنانتا).