عيد حانوكا، أو كما يُعرف بـ "مهرجان الأنوار"، هو احتفال يهودي بهيج وعميق المعنى يمتد لثمانية أيام، ويُعد تجسيدًا حيًا لقصص الصمود والإيمان والنصر على الظلم. إنه يخلّد ذكرى أحداث تاريخية عظيمة للمكابيين، الذين قادوا ثورة من أجل الحرية الدينية والهوية في مواجهة قوى قمعية.
في جوهره، تُشتق كلمة "حانوكا" (Chanukah) من اللغة العبرية، وتعني "التدشين" أو "التكريس"، وهو ما يعكس جوهر العيد: إعادة تدشين الهيكل المقدس في القدس بعد تطهيره من التدنيس. يُعرف العيد أيضًا بـ "عيد التكريس"، ويُبرز دوره في تذكير الأجيال بأهمية الحفاظ على المعتقدات والقيم الروحية في وجه التحديات.
جذور حانوكا: صراع من أجل البقاء
بدأت قصة حانوكا الملحمية في عام 167 قبل الميلاد، في فترة كانت فيها القدس ومعظم أراضي يهودا تحت سيطرة الإمبراطورية السلوقية اليونانية. لم يكتفِ الملك أنطيوخس الرابع أبيفانيس، حاكم السلوقيين، بالهيمنة السياسية، بل سعى بقوة لفرض الثقافة الهلنستية والعبادات الوثنية على اليهود، محاولًا محو هويتهم الدينية الفريدة. لقد أصدر مراسيم قاسية تحظر ممارسات يهودية أساسية مثل حفظ السبت، الختان، ودراسة التوراة، وبلغ به الأمر تدنيس الهيكل في القدس بتحويله إلى معبد للإله اليوناني زيوس، وتقديم القرابين غير المشروعة كالخنازير على مذبحه.
هذا القمع الشديد أشعل شرارة مقاومة لا هوادة فيها. فكانت الشرارة الأولى لتمرد المكابيين بقيادة ماتيتياهو الكاهن وأبنائه الخمسة، ومن أبرزهم يهوذا المكابي. اكتسب يهوذا لقب "المكابي"، والذي يُعتقد أنه يعني "المطرقة"، دلالة على قوته وشجاعته في المعارك. على الرغم من كونهم أقل عددًا وتجهيزًا، خاض المكابيون حرب عصابات شرسة ضد الجيش اليوناني لأكثر من ثلاث سنوات، محققين انتصارات مذهلة ضد قوى تعتبر متفوقة عسكريًا، مما أظهر عظم إيمانهم وتصميمهم على استعادة حريتهم الدينية.
معجزة الزيت وإعادة تدشين الهيكل
في عام 164 قبل الميلاد، نجح يهوذا المكابي وجيشه في استعادة القدس وطرد السلوقيين من الهيكل. كانت المهمة الأولى بعد النصر هي تطهير الهيكل وإعادة تكريسه لخدمة الرب. وعندما حان وقت إضاءة الشمعدان، وهو تقليد أساسي في الهيكل، وجدوا كمية قليلة جدًا من زيت الزيتون النقي، تكفي لإضاءة ليوم واحد فقط. ولكن بمعجزة، استمر هذا الزيت في الاشتعال لمدة ثمانية أيام كاملة، وهو الوقت اللازم لإعداد زيت جديد نقي وفقًا للطقوس. هذه المعجزة هي جوهر الاحتفال بعيد حانوكا، وهي السبب وراء إضاءة الشمعدان ذي الفروع الثمانية (الحانوكية) لمدة ثماني ليالٍ متتالية.
تقاليد حانوكا المعاصرة: الاحتفال بالضوء والأمل
يُحتفل بحانوكا اليوم في شهر كيسليف العبري (الذي يصادف عادةً نوفمبر أو ديسمبر في التقويم الميلادي) بمجموعة غنية من التقاليد التي تعزز الروح الأسرية وقيم العيد:
- إضاءة الحانوكية: في كل ليلة من ليالي العيد الثماني، تُضاء شمعة إضافية في شمعدان خاص يُعرف باسم "الحانوكية" (Hanukkiah). يحتوي هذا الشمعدان على تسعة فروع: ثمانية للشموع التي ترمز لليالي المعجزة، وشمعة تاسعة تُسمى "الشاماش" (الشمعة الخادمة) تُستخدم لإضاءة باقي الشموع. ترمز هذه الأضواء المتزايدة إلى انتشار النور وطرد الظلام.
- الأطعمة المقلية بالزيت: تكريمًا لمعجزة الزيت، تُعد الأسر اليهودية أطعمة شهية تُقلى بالزيت، مثل "اللاتكيس" (Latkes) وهي فطائر البطاطس المقلية، و"السفجانوت" (Sufganiyot) وهي كعك الدونات المحشوة بالمربى أو الكريمة. هذه الأطعمة ليست مجرد ولائم، بل هي تذكير ملموس بالمعجزة القديمة.
- لعبة السيفيفون (دريدل): "السيفيفون" هو بلبل بأربعة أوجه، يُلعب به تقليديًا في حانوكا. تحمل أوجهه أحرفًا عبرية تشكل اختصارًا لعبارة "נס גדול היה שם" (نيس غادول هايا شام)، والتي تعني "معجزة عظيمة حدثت هناك". هذه اللعبة البسيطة هي وسيلة ممتعة لتعليم الأطفال عن قصة العيد.
- الهدايا و "الجِلت" (Gelt): يُشجع في حانوكا تبادل الهدايا وتقديم "الجِلت" (عملات شوكولاتة ذهبية)، خاصة للأطفال. هذا التقليد يضيف بهجة للعيد ويعزز الشعور بالبهجة والمشاركة.
حانوكا: رسالة عالمية عن الحرية والنور
اليوم، يظل حانوكا أكثر من مجرد ذكرى تاريخية؛ إنه رمز عالمي للحرية الدينية، والصمود البشري، وقوة الإيمان. إنه يذكرنا بأن النور، حتى لو كان خافتًا في البداية، يمكن أن يبدد الظلام، وأن التصميم على الحفاظ على القيم والمعتقدات يمكن أن يؤدي إلى انتصارات عظيمة، حتى في مواجهة الصعاب الجمة. إنه دعوة للاحتفاء بالهوية، وتقدير معجزات الماضي، وبث الأمل في المستقبل.
الأسئلة الشائعة حول حانوكا
- ما هو المعنى الأساسي لعيد حانوكا؟
- المعنى الأساسي لعيد حانوكا هو "التكريس" أو "التدشين"، ويرمز إلى إعادة تدشين الهيكل المقدس في القدس بعد تحريره وتطهيره من قبل المكابيين، بالإضافة إلى الاحتفال بمعجزة استمرار الزيت لإضاءة الشمعدان لمدة ثمانية أيام.
- لماذا يُعرف حانوكا بـ "مهرجان الأنوار"؟
- يُعرف حانوكا بـ "مهرجان الأنوار" بشكل أساسي بسبب معجزة الزيت، حيث استمرت كمية صغيرة من الزيت في إضاءة شمعدان الهيكل لمدة ثمانية أيام. يتم الاحتفال بذلك بإضاءة شمعدان الحانوكية لمدة ثماني ليالٍ، وهي تجسيد رمزي لانتصار النور على الظلام والإيمان على القمع.
- كم يوماً يستمر الاحتفال بعيد حانوكا؟
- يستمر الاحتفال بعيد حانوكا لمدة ثمانية أيام متتالية، تبدأ من الخامس والعشرين من شهر كيسليف في التقويم العبري.
- من هم المكابيون ولماذا هم مهمون في قصة حانوكا؟
- المكابيون هم مجموعة من المقاتلين اليهود الذين قادوا ثورة ناجحة ضد الإمبراطورية السلوقية اليونانية بقيادة الملك أنطيوخس الرابع أبيفانيس، الذي حاول قمع الديانة اليهودية. هم مهمون لأنهم حققوا النصر الذي أدى إلى استعادة القدس وتطهير الهيكل وإعادة تكريسه، وهي الأحداث التي يُحتفل بها في حانوكا.
- ما هي الأطعمة التقليدية التي تُؤكل في حانوكا؟
- الأطعمة التقليدية في حانوكا هي تلك التي تُقلى بالزيت، تخليدًا لمعجزة الزيت. أشهرها هي "اللاتكيس" (فطائر البطاطس المقلية) و"السفجانوت" (كعك الدونات المحشوة).