يُعدّ عيد الأسابيع، المعروف أيضاً باسم "شافوعوت" (Shavuot) في التقليد اليهودي، أحد الأعياد الرئيسية الثلاثة التي شكّلت العمود الفقري للحياة الدينية والزراعية للشعب اليهودي عبر العصور. هذه الأعياد، التي تُعرف باسم "أعياد الحج الثلاثة" (שלוש רגלים - Shalosh Regalim)، كانت تتطلب من اليهود قديماً الحج إلى معبد القدس وتقديم القرابين هناك. يشمل هذا الثلاثي إلى جانب عيد الأسابيع، كلاً من عيد الفصح (بيسح)، الذي يرمز إلى التحرر من العبودية في مصر، وعيد المظال (سوكوت)، الذي يخلد ذكرى السكن في الخيام خلال فترة التيه في الصحراء.
كان عيد الأسابيع يمثل في جوهره احتفالاً زراعياً مهماً، حيث كان يُعتبر يوم عطلة بهيجة يُقدّم فيه اليهود، من مختلف أنحاء أرض إسرائيل والشتات، أولى ثمار حصادهم إلى المعبد في القدس. هذه الطقوس، المعروفة باسم "البِكُّوريم" (Bikkurim)، لم تكن مجرد ممارسة زراعية، بل كانت تعبيراً عن الامتنان الإلهي على خصوبة الأرض ووفرة المحاصيل. تخيلوا قوافل الحجاج القادمة من مختلف المدن والقرى، كل منها يحمل سلالاً مزينة بشتى أنواع الفاكهة الطازجة مثل التين والعنب والرمان والزيتون والتمر، في رحلة جماعية مبهجة نحو القلب الروحي لأمتهم.
ربط الفصح بالأسابيع: عد العومر
يتمتع عيد الأسابيع بتوقيت فريد ومغزى عميق، فهو يحدث بعد خمسين يوماً بالضبط من اليوم الثاني لعيد الفصح. هذه الفترة الزمنية ليست اعتباطية، بل هي تتويج لعدّ مكثف ومُبارك يُعرف بـ "عدّ العومر" (Sefirat HaOmer). تبدأ عملية العد هذه، والتي تستمر تسعة وأربعين يوماً (سبعة أسابيع كاملة)، في الليلة الثانية من عيد الفصح وتنتهي عشية عيد الأسابيع. كانت هذه الأيام السبعة والسبعون، وفقاً للتقاليد اليهودية، هي الفترة التي تلت خروج بني إسرائيل من مصر، وهي رحلة روحية وجسدية قادتهم من الاستعباد إلى الحرية، ومن ثم إلى لحظة تلقي الشريعة الإلهية على جبل سيناء. وبذلك، يربط عد العومر بين الخلاص الجسدي في عيد الفصح والتحرر الروحي الذي يمثله تلقي التوراة في عيد الأسابيع.
أسماء متعددة، دلالات عميقة
يُعرف هذا العيد بعدة أسماء، كل منها يضيء جانباً مختلفاً من جوهره المتعدد الأوجه:
- عيد الأسابيع (Shavuot): هذا هو الاسم الأكثر شيوعاً، ويشير بوضوح إلى الأسابيع السبعة من عد العومر التي تفصل بينه وبين عيد الفصح. إنه يشدد على عملية الانتظار والتجهيز الروحي لاستقبال التوراة.
- عيد البِكُّوريم (Chag HaBikkurim): أو "عيد الثمار الأولى"، وهو يعكس دوره كاحتفال بالحصاد وتقديم أولى غلال الأرض المباركة إلى المعبد، مما يؤكد على العلاقة الوجودية بين الشعب وأرضه الخصبة.
- عيد تلقي التوراة (Chag Matan Torah): يُعدّ هذا الاسم جوهر المعنى الروحي للعيد، حيث يحتفل باللحظة التي تلقى فيها الشعب اليهودي الوصايا العشر وكل الشرائع الإلهية على جبل سيناء. هذا الحدث لم يكن مجرد تسليم لكتاب قوانين، بل كان تأسيسًا لعهد أبدي بين الله وشعبه، محوّلاً أمة من العبيد المحررين إلى أمة ذات رسالة وقيم عالمية.
- العنصرة (Pentecost): هذا الاسم يوناني الأصل، ويعني "الخمسين"، وهو يشير إلى الخمسين يوماً التي تفصل العيد عن عيد الفصح. اكتسب هذا الاسم شهرة عالمية بفضل ترجمة التوراة إلى اليونانية (السبعينية). وعلى الرغم من أن أصله يهودي، إلا أنه أصبح لاحقاً ذا أهمية كبيرة في التقليد المسيحي، حيث يمثل يوم نزول الروح القدس على التلاميذ بعد خمسين يوماً من قيامة المسيح، مما يبرز الترابط التاريخي والثقافي بين الديانتين.
- عيد العتصرة (Atzeret): يُنظر إليه أيضاً كـ "تتويج" أو "خاتمة" لعيد الفصح، حيث يكمل هذا العيد الرحلة الروحية التي بدأت بالتحرر من مصر، ويختتمها بتلقي القانون الإلهي، مانحاً الحرية معنىً عميقاً وهدفاً سامياً.
عيد الأسابيع اليوم: احتفال بالمعرفة والامتنان
على الرغم من غياب معبد القدس اليوم، إلا أن الاحتفال بعيد الأسابيع لا يزال يحمل نفس الأهمية الروحية والبهجة. بدلاً من تقديم الثمار في المعبد، يركز اليهود اليوم على دراسة التوراة، وخصوصاً في ليلة العيد، حيث يُكرسون الليل كله للدراسة الجماعية والنقاشات اللاهوتية (تيكون ليل شافوعوت). كما يتم قراءة "سفر راعوث"، وهي قصة رمزية عن الولاء والاندماج، والتي تحدث أحداثها خلال موسم الحصاد. ومن العادات المنتشرة أيضاً تناول منتجات الألبان والأطعمة اللبنية، مثل الفطائر بالجبن والكعك، وتزيين المنازل والمعابد بالخضرة والنباتات كرمز لارتباط العيد بالزراعة وبالوحي الإلهي الذي تم على جبل سيناء الذي كان أخضراً ومورقاً.