ثيرافادا، الاسم الذي يتردد صداه عميقًا في تاريخ البوذية، ويترجم حرفيًا إلى "مدرسة الحكماء" أو "مذهب الشيوخ"، هي ليست مجرد فرع، بل هي أقدم وأكثر المدارس البوذية استمرارية التي حافظت على خط مباشر مع التعاليم الأصلية لبوذا غوتاما نفسه منذ ظهورها وحتى يومنا هذا. هذا الالتزام الأصيل يمنحها مكانة فريدة كوصية أمينة على جوهر تعاليم السامية. تُعرف ثيرافادا بتركيزها الشديد على تحقيق التنوير الفردي من خلال الممارسة الذاتية والالتزام الأخلاقي، وتنمية الحكمة (بانيا) والتركيز (سامادهي) عبر التأمل.

شريعة بالي: قلب التعاليم البوذية الأصيلة

يكمن جوهر هذه المحافظة على تعاليم بوذا دون تغيير في التزام ثيرافادا الصارم بما يُعرف بـ "شريعة بالي" (بالبالي: تريبيتاكا)، وهي المجموعة النصية الأكثر شمولاً وقدماً للتعاليم البوذية المقدسة. ليست شريعة بالي مجرد مجموعة من النصوص المكتوبة؛ بل هي بمثابة الموسوعة الروحية والمنهاج الحياتي الذي يوجه أتباع هذه المدرسة. وقد كُتبت هذه الشريعة بلغة بالي القديمة، وهي لغة براكريتية من العصور الوسطى الهندية الآرية، يُعتقد أنها قريبة من اللغة التي يُحتمل أن بوذا قد تحدث بها بنفسه. هذا الاختيار للغة البالي، التي تختلف عن لغات شبه القارة الهندية الشائعة آنذاك، كان حاسماً في الحفاظ على نقاء الكلمات الأصلية وسلامتها من التغيير، مما يضمن أن جوهر البوذية يبقى كما أراده المعلم.

تنقسم شريعة بالي الضخمة، أو الترابيتكا (السلال الثلاثة)، إلى أقسام رئيسية هي بمثابة أعمدة الفكر الثيرافادي:

أصبحت شريعة بالي بمثابة الدليل الشامل الذي لا غنى عنه، ليس فقط للفلسفة البوذية الأساسية والممارسات التأملية، بل لتوجيه أنماط الحياة الرهبانية والعلمانية، والطقوس الاجتماعية، وحتى العادات الثقافية التي تبلورت على مر القرون في المجتمعات التي اعتنقت ثيرافادا، مما يجعلها جزءاً لا يتجزأ من هويتهم.

الانتشار الجغرافي والتأثير الثقافي لثيرافادا

امتدادًا لتاريخها العريق وتفاعلها العميق مع الثقافات المحلية، رسخت بوذية ثيرافادا جذورها بقوة لتصبح الشكل الأكثر انتشارًا وشعبية للممارسة البوذية في عدة دول بجنوب شرق آسيا وجنوب آسيا. تُشكل هذه المدرسة جوهر النسيج الديني والثقافي في دول مثل:

في هذه البلدان، لا تمثل ثيرافادا مجرد دين؛ بل هي نسيج حيوي مدمج في الهوية الوطنية، والفن، والعمارة، وحتى نظام الحكم، حيث تتمتع الرهبانية (السانغا) بمكانة اجتماعية وثقافية مرموقة وتلعب دوراً محورياً في حياة المجتمعات. تتميز طقوسها بالبساطة والتركيز على الأخلاق الفاضلة وتنمية الوعي الذاتي من خلال التأمل، بعيداً عن الطقوس المعقدة التي قد توجد في بعض الفروع الأخرى.

بينما تظل هذه البلدان معاقلها الرئيسية، تُمارس ثيرافادا أيضًا من قبل مجموعات أقلية بوذية في دول أخرى مثل الصين (خاصة بين شعب داي في مقاطعة يونان)، وماليزيا، وبنغلاديش (في مناطق مثل شيتاغونغ وهضاب شيتاغونغ)، ونيبال، وفيتنام. وتجدر الإشارة إلى تزايد حضورها وانتشارها في المجتمعات الغربية أيضًا، حيث تجذب ممارساتها التأملية والتركيز على الوعي اللحظي (المايندفلنس) أتباعاً جددًا يبحثون عن السلام الداخلي والفهم العميق للذات، مما يؤكد عالمية رسالتها.

أسئلة شائعة حول ثيرافادا البوذية

ما هو المعنى الحرفي لكلمة "ثيرافادا"؟
تعني كلمة "ثيرافادا" حرفيًا "مدرسة الحكماء" أو "مذهب الشيوخ"، ما يعكس تركيزها على الحفاظ على التعاليم الأصلية لبوذا كما نقلها كبار تلاميذه الأوائل، مؤكدة على أصالة وخطية التعليم.
ما هي الأهمية الأساسية لشريعة بالي في ثيرافادا؟
شريعة بالي هي النص المقدس والأساسي لثيرافادا، وهي تضم مجموعة شاملة من تعاليم بوذا الأصيلة وقواعد الانضباط الرهباني والمبادئ الفلسفية. تُعتبر المصدر الوحيد للحقائق التي يجب اتباعها والممارسات التي تُعزز الوعي والحكمة والتنوير الفردي، مما يجعلها المرجع الأعلى للممارسين.
لماذا يُعتبر فرع ثيرافادا الأقدم بين فروع البوذية؟
يُعتبر ثيرافادا الأقدم لأنه يُعتقد أنه يحافظ على الخط التعليمي المباشر الذي تطور من الجماعة البوذية الأصلية التي أسسها بوذا. بخلاف المدارس الأخرى التي شهدت تطورات وتفسيرات جديدة، لم يمر ثيرافادا بتغييرات جوهرية في نصوصه الأساسية أو ممارساته عبر العصور، مما يجعله أقرب إلى البوذية المبكرة وأصولها.
في أي الدول تُمارس ثيرافادا البوذية بشكل أساسي؟
تُمارس ثيرافادا البوذية بشكل أساسي ومهيمن في سريلانكا، وتايلاند، وميانمار، ولاوس، وكمبوديا، حيث تُشكل جزءاً لا يتجزأ من الثقافة والهوية الوطنية. كما تُوجد مجتمعات أقلية تمارسها في دول أخرى مثل الصين، وماليزيا، وبنغلاديش، ونيبال، وفيتنام، وتتزايد شعبيتها في المجتمعات الغربية أيضاً.